للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن لم تنهه وإلا نازلناك وإياه حتّى يهلك أحد الفريقين. فعظم عليه، وقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا ابن أخي إن قومك قالوا لى كذا وكذا. فظنّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ عمّه خاذله، فقال:

«يا عمّ لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في شمالى ما تركت هذا الأمر» ، ثم استعبر «١» فبكي، وقام صلّى الله عليه وسلّم، فناداه أبو طالب: أقبل يا ابن أخي وقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا.

فأخذت كل قبيلة تعذّب كلّ من أسلم منها؛ فمن لا عشيرة له تمنعه يعذبونه بأنواع التعذيب، ويقال له: «لا تزال هكذا حتّى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزّي» ومن المسلمين من مات من تعذيب المشركين، وكان بعض المشركين يؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقولهم: إنّ ما جاء به من الايات سحر يؤثر، ومن قول البشر، وأساطير الأولين.

ومنع الله رسوله بعمّه أبى طالب، ومع ذلك فلا زال أذاهم شديدا عليه صلّى الله عليه وسلّم حتى أسلم عمّه حمزة، فقلّ أذاهم، وكان إسلامه سنة خمس من النبوة، قبل إسلام عمر بن الخطاب بثلاثة أيام. وفي «المواهب اللدنية» «٢» قال حمزة حين أسلم:

خمدت الله حين هدى فؤادي ... إلي الإسلام والدين الحنيف

لدين جاء من ربّ عزيز ... خبير بالعباد بهم لطيف

إذا تليت رسائله علينا ... تحدّر دمع ذى اللّب الحصيف

رسائل جاء أحمد من هداها ... بايات مبيّنة الحروف

وأحمد مصطفى فينا مطاع ... فلا تغشوه بالقول العنيف

فلا والله نسلمه لقوم ... ولمّا نقض فيهم بالسيوف

وفي هذه السنة أعز الله الإسلام أيضا بإسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه كما سيأتى.


(١) هو استفعل من القبرة، وهى تحلّب الدمع.
(٢) للقسطلاني.