للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم في الهجرة إلى الحبشة كما سيأتي.

ولما نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] دعا عليّا فقال: اصنع لنا صاعا من طعام، واجعل لنا عليه رجل شاة، واملأ لنا عسّا (أي قدحا عظيما) من لبن، واجمع لى بنى المطلب حتّى أكلّمهم وأبلغهم ما أمرت به» ففعل، ودعاهم، وهم أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس، وأحضر عليّ الطعام فأكلوا حتّى شبعوا، قال عليّ:

لقد كان الرجل الواحد منهم ليأكل جميع ما شبعوا كلهم منه «١» ، فلما فرغوا من الأكل وأراد النبى صلّى الله عليه وسلّم أن يتكلم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: «سحركم محمد صاحبكم» ، فتفرّق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثم قال: يا عليّ قد رأيت كيف سبقنى هذا الرجل إلى الكلام فاصنع لنا في غد كما صنعت اليوم واجمعهم ثانيا. فصنع عليّ في الغد كذلك، فلما أكلوا وشربوا اللبن، قال لهم صلّى الله عليه وسلّم: «ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرنى الله أن أدعوكم عليه، فأيكم يؤازرنى على هذا الأمر ويكون أخى ووصيّى وخليفتى فيكم؟ فأحجم القوم عنها جميعا، قال علي: فقلت وإنى أحدثهم سنا، وأرمضهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم «٢» ساقا: أنا يا نبى الله أكون وزيرك عليهم، قال: فأخذ برقبتى ثم قال: «إن هذا أخي ووصيّى وخليفتى فيكم فاسمعوا وأطيعوا» ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبى طالب: قد أمرك أن تسمع لعلّى وتطيع.

واستمرّ صلّى الله عليه وسلّم على ما أمره الله تعالى لم يبعد عنه قومه، ولم يردّوا عليه، حتى سبّ الهتهم وعابها، ونسب قومه واباءهم إلى الكفر والضلال، فأجمعوا على عداوته إلا من عصمه الله بالإسلام. وذبّ عنه عمّه أبو طالب، فجاء أبا طالب رجال من أشراف قريش فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد عاب ديننا وسفّه أحلامنا «٣» وضلّل «٤» اباءنا؛ فانهه عنا أو خلّ بيننا وبينه. فردّهم أبو طالب ردّا حثيثا. واستمر صلّى الله عليه وسلّم على ما هو عليه، فعظم عليهم، وأتوا أبا طالب ثانيا، وقالوا:


(١) هذا من بركته صلّى الله عليه وسلّم بكفاية الطعام القليل العدد الكسر.
(٢) أنحفهم وأدقهم.
(٣) عقولنا.
(٤) وصفهم بالضلال.