وإنما تجب المهاجرة من أرض البدعة ما لم يتمكن المقيم بها من وظيفة حسنة كالإرشاد والهداية، فالمقام بهذا القصد أولي؛ لأن الخروج سلامة، والمقام كرامة، ولهذا لم يهاجر إلى الحبشة إلا البعض ممن حسنت هجرته، لا سيما المستضعفين «١» .
* وفي أثناء مكث المهاجرين بالحبشة في الهجرة الأولى أسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه سنة خمس من النبوة بعد إسلام حمزة رضى الله عنه بثلاثة أيام. قال ابن عباس: لما أسلم عمر بن الخطاب قال جبريل للنبى صلّى الله عليه وسلّم: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر، فإن المشركين قالوا: قد انتصف القوم اليوم منا، وأنزل الله تعالى على المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: ٦٤] وكان أمر المسلمين قبله على غاية من الخفاء، وبعده على غاية من الظهور.
وسبب إسلامه أنه وجد مع أخته بعض ايات من القران من سورة الأنبياء، وكانت خبّأتها عنه، فسلبها من يدها غصبا، فقرأها، فحلت في قلبه محل الإعجاب، وأفحمه لفظها ومعناها، فذهب إلى النبى صلّى الله عليه وسلّم وأسلم على يديه، وكان ذلك إجابة لدعوة النبى صلّى الله عليه وسلّم بقوله:«اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك:
عمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام» (اسم أبى جهل) فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب، فكان عز الإسلام بعمر بن الخطاب.
وذكر الدار قطنى أن عائشة قالت: إنما قال النبى صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم أعزّ عمر بالإسلام» لأن الإسلام يعزّ ولا يعز، وكان دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم بذلك يوم الأربعاء، فأسلم عمر يوم الخميس، وكان عمر لا يرام ما وراء ظهره، فامتنع به وبحمزة الصحابة.
وفي البخاري: «لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره وقالوا: صبأ عمر، فبينما هو في داره خائفا إذ جاءه العاص بن وائل، وقال له: ما لك؟ قال: زعم قومى أنّهم يقتلوننى إن أسلمت، قال: أمنت؛ لا سبيل إليك. فخرج العاص فلقى الناس