* وكلّ نعيم لا محالة زائل* فقال عثمان: كذبت؛ نعيم الجنة لا يزول. فقال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذيكم جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم؟! فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه، فمن سفاهته فارق ديننا، فلا تجدنّ في نفسك من قوله. فردّ عليه عثمان، فقام ذلك الرجل فلطم عينه، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عمّا أصابها لغنية؛ ولقد كنت في ذمّة منيعة فخرجت منها، وكنت عن الذى لقيت غنيّا.
فقال عثمان رضى الله عنه: بل كنت إلى الذى لقيت فقيرا، والله إن عينى الصحيحة التى لم تلطم لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله عز وجل، ولى فيمن هو أحب إليّ منكم أسوة، وإنى لفى جوار من هو أعزّ منك وأقدر يا أبا عبد شمس. فقال له الوليد: هلم يا ابن أخي إن شئت إلى جوارك فعده. فقال: لا.
وصار الأمر يشتد على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القادمين لقصد مكة من الهجرة الأولى وغيرهم، وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا، فأذن لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الهجرة إلى أرض الحبشة مرة ثانية، فخرج ابن مسعود ومعه عدد كثير من الناس، فكانت خرجتهم الثانية أعظم مشقة، ولقوا من قريش تعنيفا شديدا، ونالوهم بالأذي، واشتدّ على قريش ما بلغهم عن النجاشى من حسن جواره للمهاجرين، فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة، ولست معنا؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: أنتم مهاجرون إلى الله وإليّ، لكم هاتان الهجرتان جميعا، قال عثمان: فحسبنا يا رسول الله.
وبهذه الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة، كانت عدة من بأرض الحبشة من المهاجرين مائة نفس وواحدا، إن حسب عمار بن ياسر فيهم؛ الذكور منهم ثلاثة وثمانون، والإناث ثمان عشرة.
وخرج أبو بكر رضى الله عنه مهاجرا إلى الحبشة حتّى بلغ موضعا يقال له:
«برك الغماد»(بفتح الباء وكسرها، والغماد بكسر الغين المعجمة وضمها: محل فى أقاصى هجر أو باليمن، ويقال: هو مدينة الحبشة) . ثم رجع أبو بكر في جوار سيد القارة (اسم قبيلة، ومنهم مسعود بن ربيعة القاري) مالك بن الدغنة.
فلما رأت قريش استقرار المهاجرين في الحبشة وأمنهم أرسلوا فيهم إلى النجاشى عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة بهدايا وتحف من بلادهم،