وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا
أى أن الظاهر قد يوحى بالسلام والحبّ بينما ينطوى الباطن على نيّة الخصام والحرب.
ونحن لا ننكر حقيقة أنه (لكلّ وجهة هو مولّيها) وأن لكل إنسان أن يتحّمس لعقيدته بما تتفق فيه مع غيرها وما تختلف فيه أيضا، لكن المهم أن يتمسّك فى حديثه عن عقائد الاخرين ب (أدب الاختلاف) ، وهو مما تفتخر به الثقافة العربية عامة والإسلامية خاصة، نعم لدينا كتب تحمل عناوين: أدب السماع، أدب المعاشرة، أدب الطلب، أدب الإخوان، أدب الجليس، أدب النديم، أدب الموائد، أدب القاضى، أدب الكاتب، أدب السلطان، أدب الحروب وفتح الحصون، أدب الناطق، أدب الجدل، وفي هذه العناوين تعنى كلمة (الأدب) : المعرفة، الثقافة، الخبرة اللازمة لإحسان التصرّف بالقول أو العمل، أو حتّى الصمت، فى هذا المجال أو ذاك ... ولا شك أن أدب الجدل يعنى حسن الاستماع إلى الاخر واحترام وجهة نظره وإحسان الرّد عليه مع عدم الإساءة له حتى في موقف الخلاف معه، انطلاقا من المبدأ الأسمى الذى أرساه القران الكريم، والذى يقوم على شقين:
أحدهما: قوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون ٦] .
وانطلاقا من هذا المبدأ جاء الرصيد التطبيقى الرائع الذى حكاه القران عن بعض مواقف الأنبياء في تقرير حريّة الاختيار ومسئولية كلّ عما وقع عليه اختياره دون إجبار أو ازدراء. ففى سورة البقرة- بعد أن ذكر وصية إبراهيم