«أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلّى الله عليه وسلّم؟!» وعند الطبراني من حديثه: انظر محمد إلى ربه. قال عكرمة فقلت له: نظر محمد إلى ربه؟ فقال: قد جعل الكلام لموسى، والخلة لإبراهيم، والنظر لمحمد صلّى الله عليه وسلّم» . وأخرجه البيهقى بلفظ:«إن الله اصطفى إبراهيم بالخلّة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمدا بالرؤية» .
وعن عكرمة «سئل ابن عباس: هل رأى محمد ربه» ؟ قال: نعم» . وقد روى بإسناد لا بأس به عن شعبة عن قتادة عن أنس. قال: رأى محمد صلّى الله عليه وسلّم ربّه» .
والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة، والرجوع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة، وراسله: هل رأى محمد صلّى الله عليه وسلّم ربه؟ فأخبره أنه راه، فالعقيدة على مذهب ابن عباس رضى الله تعالى عنه.
وأما ما قاله الإمام مالك رضى الله عنه من أن الله سبحانه وتعالى لم ير في الدنيا؛ لأنه باق، والباقى لا يرى بالفانى، فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رأوا الباقى بالباقى، ومقتضاه أنه يقول بعدم رؤيته لأحد في الدنيا، فيكون مذهبه مذهب من قال: إن محمدا لم ير ربّه، فقد تأوله بعض المتأخرين بقوله:
هو كلام حسن مليح، ليس فيه دلالة على استحالة الرؤية في الدنيا إلا من حيث ضعف القوة الباصرة، فإذا قوّى الله من شاء من عباده وأقدره على حمل أعباء الرؤية في أى وقت كان، فلا مانع من ذلك، وهو الحق، فيجوز أن يقال: إن الله تعالى أودع البصر الشريف قوة أقدر بها على رؤيته تعالى، كما كان صلّى الله عليه وسلّم يرى جبريل، والصحابة عنده لا يرونه: للقوة التى أمدّه «١» الله بها دونهم..
قال الحافظ ابن حجر: ووقع في صحيح مسلم ما يؤيد التفرقة في الرؤية بين الدنيا والآخرة في حديث مرفوع، فيه:«واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتّى تموتوا» .