وقائع فإن ضخامة مرويات السيرة- لا سيما عند كتاب النمط المطول- كانت تعطى كاتب السيرة المحدث فرصة اختيار مجموعة من الأحداث والوقائع ليشكل منها هيكلا سرديا متصلا، وهو الموقف نفسه الذى كان يتخذه كاتب الرواية التاريخية إزاء المواد التى تقدمها له المصادر التاريخية العربية القديمة والوسيطة.
ولما كان هدف الطهطاوى من كتابة السيرة يتصل بأهداف كتاب الرواية التاريخية والتعليمية، فقد كانت تقنية الاستطراد في السرد تقنية مشتركة بين كتابته وكتابتهم.
وستتبدى تلك الجوانب بتفصيل أكبر في فقرات تالية، ولكن ذلك لن يتحقق إلا بعد الوقوف على مدى وعى الطهطاوى بالأشكال السردية المختلفة ووظائفها.
(٤) تقع سيرة الطهطاوى في المنطقة الواصلة بين التاريخ والأدب، وكانت كتابة الطهطاوى لها تتصل- بقدر تماسها مع الرواية التاريخية والرواية التعليمية- بمرحلة
الإحياء التى ينتسب إليها فكر الطهطاوى وكتاباته المختلفة. ويتبدى اتصال الإحيائية بكتابة الطهطاوى" نهاية الإيجاز" من كون الطهطاوى قد أعاد إحياء ذلك الشكل السردى بعد أن توقفت كتابتة في مصر لمدة أربعة قرون؛ إذ إن اخر الكتابات المصرية السابقة على الطهطاوى هو كتاب المقريزى" إمتاع الأسماع"(٢٧) . ويتصل بذلك الإحياء بعدان يتعلق أولهما بالصلة بين الأدب والتاريخ ودورها في تحديد طريقة كتابة السيرة وتقديمها بوصفها شكلا سرديا. بينما يرتبط ثانيهما بوعى الطهطاوى بالأشكال السردية العربية الوسيطة والقديمة. ولا ينفصل عن هذين البعدين تصور الطهطاوى لمهمة الأشكال السردية والأنواع الأدبية الحديثة.
يتبدى البعد الأوّل الكاشف عن الصلة بين الأدب والتاريخ لدى الطهطاوى فيما يظهر في مواضع مختلفة- على قلتها- من كتابات الطهطاوى بتناول الأدب أو بعض جوانبه أو بعض قضاياه أو ما يبدو من اهتمامه النسبى بتناول مسائل كتابة