للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكة ووقف علي الحزورة «١» ونظر إلي بيت الله الحرام، وقال حين خروجه من أم القري: «والله إنك لأحبّ أرض الله إليّ وإنك خير بقعة علي وجه الأرض وأحبّها إلى الله تعالى، ولولا أهلك أخرجونى لما خرجت منك» «٢» .

وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن خير بلدة علي وجه الأرض وأحبّها إلى الله مكة» .

وسميت أمّ القري «٣» لأنها قبلة أهل الدنيا، فصارت هي كالأصل وسائر البلاد تبعا، وأيضا الناس يجتمعون إليها للحج والتجارة كما يجتمع الأولاد للأم، وقيل:

لأن الكعبة أوّل بيت وضع للناس. وما أحسن ما قاله بعض الشعراء:

لا تنكرنّ لأهل مكة قسوة ... والبيت فيهم والحطيم وزمزم

اذوا رسول الله وهو نبيّهم ... حتى حمته أهل طيبة منهم

خاف الإله على الذى قد جاءه ... سلبا فلا يأتيه إلّا محرم

أى خاف الله أن يسلب أهل مكة القادم إلى الحرم، فصار يقصد مكة الناس بالإحرام.

وأما حديث: «اللهم كما أخرجتنى من أحب البقاع إليّ، فأسكنّى أحبّ البقاع إليك» «٤» فلم يصح عنه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن مكة أفضل من غيرها بوجوه:


(١) الحزورة: ضبطها صاحب المراصد بسكون الزاى وفتح الواو: سوق كانت بمكة، ودخلت في المسجد الحرام لمّا زيد فيه.
(٢) وفي لفظ اخر «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت» رواه الإمام مالك والترمذى وابن ماجه وابن حبان، والحاكم عن عبد الله بن عديّ ابن الحمراء.
(٣) سماها الله تعالى «أم القري» يي قوله تعالى: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها [الاية: ٩٢ الأنعام] .
(٤) التحقيق في هذا الحديث أنه صحيح. قال محب الدين الطبرى في كتابه «القرى لقاصد أم القرى» ص ٦٧٧ ما نصه: « ... ثم اختلفوا في أيهما أفضل، فذهب عمر وبعض الصحابة إلى تفضيل المدينة، وهو قول مالك وأكثر المدنيين، وحملوا الاستثناء في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إلا المسجد الحرام على أن مسجدى يفضله» بدون الألف. وذهب أهل الكوفة إلى تفضيل مكة، وبه قال ابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك، وإليه-.