اشيروا عليّ، فقال عمر: يا رسول الله إنها قريش، والله ما ذلّت منذ عزّت، ولا امنت منذ كفرت، والله لتقاتلنّك، فتأهّب لذلك أهبته، وأعدّ لذلك عدّته. ثم استشارهم ثالثا، فقال: أشيروا عليّ أيها الناس، ففهمت الأنصار أنه يعنيهم؛ لأنهم أكثر الناس عددا، فقال له سعد بن معاذ «سيد الأوس» : لعلك تريدنا معاشر الأنصار يا رسول الله؟ فقال: أجل، قال: فقد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، وإنى أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وسالم من شئت، وعاد من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت منّا كان أحبّ إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمرنا فأمرنا تبع لأمرك، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك؛ والذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا، وإنّا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله، فنحن عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك» فسرّ النبى صلّى الله عليه وسلّم وأشرق وجهه بقول سعد، ونشّطه ذلك، وقال: «أبشروا فإن الله تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين أنها لكم، وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم (والطائفتان: العير، ونفير قريش، والعير:
هو المعبر عنه في الاية بغير ذات الشوكة، لأنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا، وأما الشوكة فهى في النفير لعددهم وعدتهم، فقوله تعالى وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال: ٧] يعنى تتمنون أن يكون لكم العير؛ لأنها الطائفة التى لا شوكة لها، أى لا حدّة لها ولا شدة، ولا تريدون الطائفة الاخري، ولكن الله يريد الطائفة الاخرى وهى نفير قريش الذى يريد حماية تلك العير، وهى المرادة من قوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ [الأنفال: ٧] الاية، ومعنى إحقاق الحق: تنجيز الوعد من النصر والظفر بالأعداء، ومعنى إحقاق الحق الثاني: تقوية القران والدين، ونصرة هذه الشريعة؛ لأن الذى وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين كان سببا لعزة الدين وقوته، ولهذا السبب قرنه بقوله وَيُبْطِلَ الْباطِلَ [الأنفال: ٨] الذى هو الشرك، وذلك في مقابلة الحق الذى هو الدّين والإيمان، فقد أعلمه الله تعالى بعد وعده بالظفر بالطائفة الثانية، وأراه مصارعهم، فعلم القوم أنهم ملاقو القتال، وأنّ العير لا تحصل لهم.