للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* وفي غزوة خيبر أهديت للنبى صلّى الله عليه وسلّم الشاة المسمومة، فأخذ منها قطعة وأكلها، وأكل القوم، فقال: «ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتنى أنها مسمومة» ، فمات بشر بن البراء، وكان بشر قد أساغ تلك اللقمة والمصطفى صلّى الله عليه وسلّم لم يسغها لكنها أثرت في فمه ولهواته قبل أن ينطق الله له ذراعها بالتحذير مما دسّ فيها من السم القاتل من ساعته، ودعا صلّى الله عليه وسلّم باليهودية فاعترفت، ثم قال لها: «ما حملك على ما صنعت؟ قالت: إن كنت نبيا لم يضرّك الذى صنعت، وإن كنت ملكا أرحت الناس منك، فقال: «ما كان الله ليسلطك على ذلك» ، ولم يعاقبها؛ لأنه كان لا ينتقم لنفسه، وإلى ذلك يشير صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله:

ثم سمّت اليهودية الشا ... ة وكم سام الشّقوة الأشقياء

فأذاع الذراع ما فيه من ش ... رّ بنطق إخفاؤه إبداء

وبخلق من النّبىّ كريم ... لم تقاصص بجرحها العجماء

[أى ثم جعلت اليهودية السمّ القاتل في الشاة، ومرات كثيرة يطلب الشقوة ويتحلّى بها الاشقياء، الذين لا خلاق لهم، فأخبر ذلك الذراع النبىّ صلّى الله عليه وسلّم بالنطق بما فيه من سم، وإخفاء ذلك النطق عن الحاضرين إبداء وإظهار له صلّى الله عليه وسلّم، وبسبب ما تحلى به صلّى الله عليه وسلّم من كمال الحلم والعفو، لم تقاصص تلك المرأة بجرحها، أى بجرح سمّها، لأن السم يجرح الباطن، كما يجرح الحديد الظاهر] .

وما قيل: إنه أمر بها فقتلت به قصاصا، لعله هو عين ما يروى عن ابن عباس أنه دفعها إلى أولياء بشر بن البراء، بهذا يفسّر قول ابن إسحاق «أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتل اليهودية التى سمّته» وقال النبى صلّى الله عليه وسلّم في مرض موته: «إن أكلة خيبر لم تزل تعاودنى، وهذا زمان انقطاع أبهرى» «١» [والأبهر عرق في الظهر وقيل: هو عرق مستبطن القلب، فإذا انقطع لم تبق بعده حياة، وقيل: الأبهر «٢» عرق منشؤه من الرأس، ويمتد إلى القدم، وله


(١) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما زالت أكلة خيبر تعاودنى كل عام حتّى كان هذا أوان قطع أبهرى» [رواه ابن السنى وأبو نعيم في الطب عن أبى هريرة] .
(٢) الأبهر: الظهر، عرق فيه، ووريد العنق، والأكحل، وهو: عرق في اليد، وهو عرق الحياة.