للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النفس أو لتعلقات الدنيا، وأما إذا كان المهجور مبتدعا أو متجاهرا بالفسق ونحو ذلك فلا تحرم هجرته، لما ثبت من هجر النبى صلّى الله عليه وسلّم الثلاثة الذين خلّفوا «١» .

ولم يجاوز صلّى الله عليه وسلّم «تبوك» ، حيث استشار أصحابه في مجاوزتها، فقال له عمر رضى الله عنه: إن كنت أمرت بالسير فسر، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لو أمرت بالسير لم أستشركم فيه» فقال: يا رسول الله: إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام، وقد دنونا، وقد أفزعهم دنوّك، فلو رجعنا هذه السنة حتّى نرى أنفسنا أو يحدث الله أمرا. وهذا تصريح بأن تبوك لم يقع فيها مقاتلة، ولا حصل فيها غنيمة، وإنما أتاه صلّى الله عليه وسلّم وهو بها «يحنّة» (بضم المثناة تحت، وفتح الحاء المهملة ثم نون مشدّدة مفتوحة، ثم تاء التأنيث) «ابن روبة» (بالمواحدة) صاحب «أيلة» «٢» وصحبته أهل «جرباء» تأنيث أجرب، يمد ويقصر، قرية بالشأم، وأهل (أذرح) «٣» بالذال المعجمة الساكنة والراء المهملة المضمومة والحاء المهملة (مدينة تلقاء السراة) و «أهل مينا» ، وأهدى «يحنّة» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغلة بيضاء، فكساه صلّى الله عليه وسلّم بردا، وهو البردة التي كانت عند خلفاء بنى العباس، اشتراها من أهل (أيلة) «٤» أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار، وكانت التى اشتراها معاوية من ذرية كعب بن زهير، فقدت عند زوال دولة بنى أمية «٥» . وقد تقدم في غزوة فتح مكة أن بردة النبى صلّى الله عليه وسلّم التى خلعها على كعب بن زهير جائزة علي قصيدته المشهورة، قد اشتراها معاوية من ذريته، ثم فقدت بزوال بني أمية، بخلاف هذه. فليراجع في مخله «٦» .


(١) إن النبى صلّى الله عليه وسلّم قبل ممن قبل، ولم يقبل من هؤلاء الثلاثة لأن لهم منزلة عنده صلّى الله عليه وسلّم، فأراد أن يؤدبهم أدبا خاصا، إسلاميا صرفا، لا لقصد الهجر، فهجر المسلم لأمر من الأمور الدنيوية هو المذموم، أما إن كان لأجل الدّين فهو المطلوب.
(٢) مدينة على ساحل بحر القلزم (البحر الأحمر) مما يلى الشام، وهى اخر الحجاز وأوّل الشام.
(٣) بلد من أعمال عمان، بالبلقاء من أرض الشام، قرب السراة من ناحية الحجاز.
(٤) بضم الراء، بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة، من نواحى بلقان وعمان.
(٥) هناك بردتان: إحداها اشتراها معاوية من ذرية كعب بأربعين ألف درهم، والثانية أهداها النبى صلّى الله عليه وسلّم لصاحب أيلة نظير إهدائه البغلة، وهى التى اشتراها السفاح من أهل أيلة، وأخذها التتر.
(٦) فى الأصل: فى الفصل الرابع عشر من الباب الأوّل من المقالة الرابعة من الجزء الأوّل من هذا التاريخ.