للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من عائشة رضي الله عنها أنها تظهر كراهة ذلك، مع محبتها له باطنا، هكذا يقتضيه ظاهر اللفظ، والمنقول عن عائشة رضي الله عنها أنها إنما قصدت بذلك خوف أن يتشاءم الناس أبا بكر فيكرهونه، حيث قام مقامه صلّى الله عليه وسلّم، فقد جاء عنها رضي الله عنها أنها قالت: «ما حملنى علي كثرة مراجعتى له صلّى الله عليه وسلّم إلا أنه لم يقع في قلبى أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا، ولا كنت أرى أنه يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس منه» «١» ، فصلي بهم ثلاثة أيام في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بعض الأيام خفّة، فقام يتهادى بين رجلين، ورجلاه يخطّان في الأرض؛ حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر رضي الله تعالى عنه صوته ذهب يتأخّر، فأومأ إليه صلّى الله عليه وسلّم ألايتأخر، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جلس عن يسار أبي بكر، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعدا وأبو بكر يصلى قائما، اقتداء بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والناس يقتدون بصلاة أبى بكر رضي الله عنه، فلما فرغ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجلسوا قال صلّى الله عليه وسلّم: «معاشر المسلمين؛ ما من نبيّ يموت حتي يصلّى خلف رجل صالح من أمته» وأن النبي صلّى به رجلان من أمته: عبد الرحمن بن عوف في السفر، وأبو بكر الصدّيق في الحضر.

وأما ما رواه البخارى بإسناده إلي عروة عن أبيه عن عائشة أنه صلّى الله عليه وسلّم أمر أبا بكر أن يصلّى بالناس في مرضه، فكان يصلّي بهم، فوجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من نفسه خفّة فخرج إلي المحراب، وكان أبو بكر يصلى بصلاة رسول الله، والناس يصلّون بصلاة أبى بكر، أى بتكبيره، فهو إنما كان في وقت اخر. وفي المواقف أيضا: أن النبى صلّى الله عليه وسلّم استخلف أبا بكر في الصلاة حال مرضه، واقتدي به وما عزله، ولذلك قال عليّ: «قدّمك رسول الله في أمر ديننا، أفلا نقدمك في أمر دنيانا؟!» «٢» .

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: لما مرض النبى صلّى الله عليه وسلّم مرضه الذى مات فيه، اجتمعنا جماعة من الصحابة، ودخلنا عليه صلّى الله عليه وسلّم وجلسنا بين يديه وهو نائم علي فراشه، فجلس أبو بكر عند رأسه، ونظر في وجهه وبكي، ففتح النبى صلّى الله عليه وسلّم


(١) هذا هو الصحيح، والذى قاله الشيخ أولا معاذ الله أن يكون منها رضى الله عنها؛ وهى الصدّيقة بنت الصديق.
(٢) رد قاطع على الذين يفرّقون بين أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.