للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد أطلعه الله على ما شاء من المغيّبات، فوقعت على وفق إخباره بها فيما مضى وما هو ات، واستأثر سبحانه دون جميع الخلق بعلم أمور منها: مفاتح الغيب الخمس «١» . ولقد قبض النبى صلّى الله عليه وسلّم وما يعلم الروح، وقال الجنيد: الروح مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، فلا يجوز لعباده البحث عنه بأكثر من أنه موجود، وثبت عن ابن عباس أنه كان لا يفسر الروح، أى لا يعيّن المراد به فى الاية «٢» .

وقد اختلف في مسألة اشتهرت بالديار المغربية، نشر الله بها أعلام السنة المحمدية، وهي: هل أحاط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعلم الله كما أحاط الحقّ بعلمه أو لا؟

فأجاب عن ذلك بعضهم بقوله: لا يصح ذلك، بل الذى ينبغى اعتقاده أن الله أعلم رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما لم يعلمه أحدا من الخلق، وحاشا سيد الأحباب أن يرضى من أمته أن يسوّوا بينه في العلم وبين رب الأرباب، ومن المحال أن يلحق العبد مرتبة السيد على كل حال، فاحذر الغلط، وإياك من ركوب التعاسيف والشّطط «٣» . اهـ.

وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تطرونى كما أطرى عيسى» أى لا تبالغوا في مدحى، وفي معنى الحديث قال البوصيري:

دع ما ادّعته النصاري في نبيّهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

فإنّ فضل رسول الله ليس له ... حدّ فيعرب عنه ناطق بفم


(١) قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان: ٣٤]
(٢) وقال بعض المفسرين في قوله تعالى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: ٨٥] أى كانت بكلمة «كن» وهذا يعنى أنها سر غامض لا يعلمه إلا الله تعالى، والقول فيها تهجّم على الله تعالى.
(٣) لو علم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علم الله لكان علم الله تعالى محدودا، ولكان الله تعالى محدودا؛ واعتقاد هذا صريح الكفر والعياذ بالله!