وكذلك جمع صلّى الله عليه وسلّم ما تفرّق في الأنبياء من مكارم الأخلاق، وسمّاه عظيما فقال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤] ؛ فكان فيه صلّى الله عليه وسلّم خلق ادم (بفتح الخاء وسكون اللام) ، ومعرفة شيث، وشجاعة نوح، وخلّة إبراهيم، ولسان إسماعيل، ورضى إسحاق، وفصاحة صالح، وحكمة لوط، وبشرى يعقوب، وشدّة موسي، وصبر أيوب، وطاعة يونس، وجهاد يوشع، وصوت داود، وحبّ دانيال، ووقار إلياس، وعصمة يحيي، وزهد عيسى.
ثم دعا الله تعالى عباده للاقتداء به التخلّق بأخلاقه فقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] ؛ فقد أيّده الله تعالى بالمعجزات الباهرة، وأكرمه بالايات الظاهرة، وخصّه بالشفاعة العظمى في الدار الآخرة، صلّى الله عليه وسلّم وعترته الطاهرة، وصحابته النجوم الزاهرة، قال الأديب جمال الدين الدمشقى فى ذلك:
يا عين إن بعد الحبيب وداره ... ونأت مرابعه وشطّ مزاره
فلقد ظفرت من الزمان بطائل ... إن لم تريه فهذه اثاره
ولقد سبقه إلي ذلك الصلاح الصفدي، فقال:
أكرم باثار النبيّ محمد ... من زاره استوفي السرور مزاره
يا عين دونك فانظري وتمتّعي ... إن لم تريه فهذه اثاره
واقتدى بهما في ذلك أبو الحزم المدني، فقال:
يا عين كم ذا تسفحين مدامعا ... شوقا لقرب المصطفي ودياره
إن كان صرف الدهر عاقك عنهما ... فتمتّعي يا عين في اثاره
وبالجملة فاثاره صلّى الله عليه وسلّم وماثره هى الواسطة العظمى في تشييد هذا الدين المحمدي «١» العظيم البنيان الذى هو ببركته صلّى الله عليه وسلّم باق إلى اخر الزمان، وكذلك ما
(١) يقصد الشرع الإلهى الذى خص به محمد صلّى الله عليه وسلّم من دون الأنبياء، بدليل أنه عبر بها في قوله «فشريعة المصطفي» الخ.