ألا إنّما القران تسعة أحرف ... أتيت بها في بيت شعر بلا خلل
حلال، حرام، محكم، متشابه ... بشير، نذير، قصّة، عظة، مثل
ووفد غالب بن صعصعة على الإمام علي بن أبى طالب كرم الله وجهه، ومعه ابنه الفرزدق، فقال له: من أنت؟ فقال: غالب بن صعصعة، قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم. قال: فما فعلت بإبلك؟ قال: أذهبتها النوائب، ثم قال له: يا أبا أخطل، من هذا الذى معك؟ قال: ابني، وهو شاعر، قال: علّمه القران فهو خير له من الشعر، فكان ذلك في نفس الفرزدق حتّى قيّد نفسه، والى على نفسه أن لا يحلّ قيده حتي يحفظ القران، فحفظه في سنة، وذلك قوله:
وما صبّ رجلي في حديد مجاشع ... مع القيد إلا حاجة لي أريدها
فقد جمع الله له صلّى الله عليه وسلّم كل ما أوتيه الأنبياء من معجزات، وخصائص، ولم يجمع ذلك لغيره، بل خصّ كلّا بنوع من المعجزات، وذهب كلّ نبى بمعجزاته، ولم يبق لها أثر ظاهر خلا الروايات عنها والأخبار، وأبقى لنا صلّى الله عليه وسلّم القران، معجزا خالدا بين ظهرانينا إلى يوم القيامة بعد ذهابه، لا تنكسف شموسه، ولا تذوي زهراته، يعلم ذلك من أدرك منه شرح الايات المحكمة وأسباب نزولها، وما اشتملت عليه من الأمر والنهي، والأحكام والمعاني، والإعجاز والإيجاز، والفصاحة والبلاغة، والبيان والبديع، وأخبار الأوّلين والاخرين، وشرائع الأمم السالفة، والوعد والوعيد، وذكر الدنيا وأحوالها، والآخرة وأهوالها، فكلّ من نظر في كتاب الله تعالى من الفصحاء البلغاء في سائر الأعصر، وأمعن النظر فيه استخرج بمعرفته جواهر المعانى من كنوز الايات الكريمة، واطلّع علي أسرار البلاغة، وعلم ما انطوت عليه من أسرار الإعجاز، فقد علم بالقران الذى تحدّى به صلّى الله عليه وسلّم صدق دعوى النبوة جميع ما أخبر به علما قطعيا يقينيا لا يقدح فيه شيء من الاحتمالات العقلية، مع ما نقل عنه صلّى الله عليه وسلّم من المعجزات والأمور الخارقة للعادة بطريق الشهرة والاحاد، وما بلغ القدر المشترك منه حد التواتر في المعجزات، وإن كانت تفاصيلها مروية احادا، قال بعضهم: