للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابننا عندك، فامنن علينا، وأحسن في فدائه إلينا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فهلا غير ذلك، ادعوه فأخيّره، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارنى فو الله ما أنا الذى أختار على من اختارنى شيئا» ، فقالوا: قد زوّدتنا على النّصف «١» وأحسنت. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زيدا فقال: أتعرف هؤلاء؟ فقال: نعم، أبى وأخي وعمي، فقال: «أنا من قد علمت، وقد رأيت صحبتي، فاخترنى أو اخترهم» ، فقال: ما أنا بمختار عليك أحدا، أنت منّى مكان العم والأب. فقال له أبوه: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك؟ قال: نعم؛ قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بمختار عليه أحدا. فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك من زيد، أخرجه إلى الحجر، وقال لمن حضر: اشهدوا أن زيدا ابنى أرثه ويرثني. فطابت نفوسهم، فكان زيد يدعى: زيد بن محمد. حتى جاء الله عز وجل بالإسلام فزوّجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش، وهى بنت عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أميمة بنت عبد المطلب، فطلّقها زيد، وخلف عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتكلم المنافقون وطعنوا في ذلك، وقالوا: محمد يحرّم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه، فأنزل الله عز وجل: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [الأحزاب: ٤٠] . ونزلت: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ «٢» فدعي يومئذ: زيد بن حارثة، ونسب كل رجل تبنّاه رجل من قريش إلى أبيه، مثل سالم مولى أبى حذيفة، وعامر بن ربيعة. وكان زيد يسمى «الحبّ» «٣» لأنه حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان يقال: «الحبّ بن الحبّ» ، وكان أسامة ابنه يدعى الرّدف لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يردفه كثيرا؛ عن عروة عن أسامة أن النبى صلّى الله عليه وسلّم ركب حمارا بإكاف «٤» على قطيفة، فأردف أسامة خلفه، وأتى سعد بن عبادة يعوده قبل وقعة بدر.

ولم يذكر في القران أحد من الصحابة باسمه إلا هو «٥» ، كما أنه لم تذكر امرأة


(١) أى فعلت شيئا أكثر من الإنصاف.
(٢) الأحزاب: ٥.
(٣) بكسر الحاء، أى المحبوب.
(٤) البرذعة أو ما يقوم مقامها.
(٥) فى قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً وكفاه هذا شرفا، وأيّ شيء أعظم من هذا؟