للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يبايع أسامة عليا ولا شهد معه شيئا من حروبه، وقال له أى لعليّ: «لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدى معها، ولكنك قد سمعت ما قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قتلت ذلك الرجل الذى شهد ألاإله إلا الله» ، وهو ما أخبرنا به أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي، بإسناده عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدّثنى محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه، عن جده أسامة بن زيد، «قال أدركته (يعنى كافرا كان قتل في المسلمين في غزاة لهم) أنا ورجل من الأنصار، فلما شهرنا عليه السلاح، قال: أشهد ألاإله إلا الله، فلم نبرح عنه حتّى قتلناه، فلما قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه خبره، فقال: يا أسامة من لك بلا إله إلا الله!! فقلت: يا رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل، فقال: من لك يا أسامة بلا إله إلا الله!! فو الذى بعثه بالحق ما زال يرددها حتى وددت أن ما مضى من إسلامى لم يكن، وأنى أسلمت يومئذ، فقلت: أعطى الله عهدا ألاأقتل رجلا يقول لا إله إلا الله» «١» .

وروى محمد بن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: رأيت أسامة بن زيد يصلّى عند قبر النبى صلّى الله عليه وسلّم، فدعى مروان إلى جنازة ليصلّى عليها، فصلّى عليها، ثم رجع وأسامة يصلّى عند باب بيت النبي، فقال له مروان: «إنما أردت أن يرى مكانك، فعل الله بك» ، وقال قولا قبيحا، ثم أدبر، فانصرف أسامة وقال: «يا مروان إنك اذيتني، وإنك فاحش متفحش، وإنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله يبغض الفاحش المتفحش» «٢» .

وقال بعضهم: يجوز للامر بالمعروف والناهى عن المنكر والمؤدّب أن يقول لمن يخاطبه في ذلك الأمر: يا ضعيف الحال أو يا قليل النظر لنفسه، أو يا ظالم نفسه، وما أشبه ذلك، بحيث لا يتجاوز إلى الكذب، ولا يكون فيه لفظ قذف؛


(١) ومن مثل هذا يفهم أنّ الصحابة الذين امتنعوا عن القتال مع الإمام على رضى الله عنه وكرم الله وجهه: إنما امتنعوا لعلل وأسباب أخرى، لا لكراهية القتال مع الإمام، رضى الله عنهم جميعا، وأن الذين خاضوا في أعراض الصحابة إنما ارتكبوا جرما وإجراما؛ نسأل الله السلامة والعافية.
(٢) رواه الإمام أحمد.