صدر قرار رسمى عن ديوان المدارس، بتعيين رفاعة الطهطاوى رئيسا لتحرير صحيفة «الوقائع المصرية» وتضمّن هذا القرار دستورا جديدا لهذه الصحيفة، من المحقق أن رفاعة الطهطاوى اشترك بنفسه في وضع مواده، ثم تولى تنفيذ ذلك بطريقة كان لها الفضل كل الفضل في تنظيم الوقائع تنظيما جديدا، والدخول بها فى طور اخر من أطوار حياتها الطويلة المجيدة.
وخليق بنا أن نشير إلى بعض الإصلاحات التي أدخلها الطهطاوي، ومنها:
١- لاحظ أن هذه الصحيفة تكتب باللغتين العربية والتركية، غير أن التركية كانت تحتل اليمين من الصحيفة، بينما العربية تحتل الناحية اليسري، وحين أشرف على الوقائع أصر على أن تكون العربية ناحية اليمين والتركية ناحية اليسار.
٢- لاحظ الطهطاوى أن مواد الصحيفة تكتب أولا بالتركية ثم تترجم بعد ذلك إلى العربية، فإذا كان الأصل التركى سقيما في ذاته فأخلق بالترجمة العربية أن تكون ركيكة سقيمة كذلك. ولذلك وجدنا الطهطاوى يحتم على الصحيفة أن تقدم المواد كلها بالعربية أولا، ثم لا بأس من أن تترجم هذه المواد إلى التركية بعد ذلك.
٣- عنى الطهطاوى في صحيفة الوقائع عناية خاصة بالأخبار المصرية مقدما إياها على الأخبار الخارجية.
وفي سنة ١٨٤٩ تولى عباس الأوّل حكم مصر، وكان رجعيا ضيق الأفق، فأصدر أوامره بإغلاق المدارس الخصوصية، وكانت مدرسة الألسن أوّل مدرسة ألغيت. ولم يقنع عباس بذلك، بل أمر بإنشاء مدرسة ابتدائية بالخرطوم، وأن يتولى تأسيسها رفاعة الطهطاوي. ورغم شعور رفاعة بالأسى لإحساسه بأنه منفي، رغم ذلك قام بواجبه في مدرسة الخرطوم خير قيام، وشغل وقته بترجمة قصة «تليماك» لمؤلفها «فنلون» ، وقد طبعت هذه الترجمة بعد ذلك في بيروت، بعنوان «مواقع الأفلاك في وقائع تليماك» كما عني بتكوين جيل من مثقفى السودان بثّ فيهم روح العلم والمعرفة، وكانوا نواة نهضة علمية مماثلة لتلك التى عرفتها مصر على يديه.