المعرّبة، تغطى تاريخ العالم بقدر الإمكان، إلا أننا نجده في النصف الثانى من القرن التاسع عشر خطا خطوة جديدة، وبدأ يؤلف في التاريخ، وفي تاريخ مصر بوجه خاص.
ورغم أن الشيخ رفاعة لم يدرك ثورات المصريين ضد الحملة الفرنسية، إذ ولد في نفس السنة التي غادرت فيها الحملة مصر، لكنه سمع عنها الكثير، وقرأ عنها في كتاب الجبرتى «عجائب الاثار» ، وكذلك قرأ الكثير عن الثورة الفرنسية أثناء دراسته في باريس، وقرأ كثيرا من مؤلفات الكتّاب الفرنسيين الذين مهدوا لقيام الثورة الفرنسية، أمثال «روسو» و «فولتير» و «منتسكيو» ، وشهد ثورة فرنسا سنة ١٨٣٠ م، وترجم الدستور الفرنسى الذى وضعه لويس التاسع عشر.
لذلك كله اتجه رفاعة- عند ما بدأ التأليف في التاريخ- اتجاها قوميا، ووضع لنفسه خطة ترمى إلى وضع مؤلّف ضخم في تاريخ مصر، منذ عهد الفراعنة إلى العصر الحديث.
وكان للجهود التى بذلها علماء الحملة الفرنسية في مصر أثر كبير في لفت الأنظار إلى الاثار المصرية، وكان لعثور رجال الحملة على حجر رشيد، وعكوف علماء فرنسا على قراءة ما عليه من نصوص، وتوفيق العالم الفرنسى «شمبليون» فى فكّ رموز الكتابة الهيروغيلفية، مما مكّن من قراءة النصوص المنقوشة على جدران المقابر والمعابد، والمكتوبة على أوراق البردى وغيرها، وتمكين المؤرخين من التعرف على أسرار الحضارة المصرية القديمة، بعد أن ظلت مجهولة قرونا طويلة.
ثم أقبل الباحثون والمنقبون الأوروبيون على الحفر، وكشفوا كثيرا من الاثار المصرية القديمة، وبدأ الأثريون والمؤرخون الأوروبيون يكتبون تاريخ مصر القديم كتابة صحيحة إلى حد كبير. واستفاد رفاعة الطهطاوى من هذه الحركة، وبدأ يؤلف كتابا في تاريخ مصر منذ القدم، وخصص الجزء الأوّل لتاريخ مصر فى عصور الفراعنة، والبطالمة، والرومان، وسمّاه «أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر، وتوثيق بني إسماعيل» وقد طبع هذا الجزء في بولاق سنة ١٢٨٥ هـ.