ونبدأ بدراسة القسم الأول، وأول آية تصادفنا فيه من ثناء الله تعالى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتبين رفيع منزلته، وعلو قدره، هي قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤].
وقدمنا بها الكلام لأنها نزلت في أول ما نزل من القرآن الكريم إذ هي قد نزلت بعد قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} حيث قررنا من قبل أننا سنراعي الترتيب الزمني في ذلك؛ لأن الدراسة بالأصالة في سيرته، وتلك كالمقدمة بالتعريف لصاحب السيرة عليه الصلاة والسلام.
وعلى أية حال ننظر في الآية الكريمة لنحللها، ونبدأ بها هذا القسم.
وأول ما يلاحظه الباحث في هذه الآية الكريمة أنَّ الله - سبحانه وتعالى - اصطفى سيدنا محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتَحَمُّل الرسالة والنبوة وهو في غاية الخُلُق وأعلاه، بل وهو على عظيم الخُلُق وأجَلِّه، وهو دليل على حيازة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للكمالات النفسية كافة قبل البعثة، مما يدلّ على عناية الله تعالى المتقدمة بنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومبعوثه إلى الخلق، وهو ما يميز ويوضح لعموم الخلق صدق النبوة وصحَّة الرسالة، إذ كيف يتأتى لأحدٍ من العرب لا يزيد عليهم في شيء، بل هو ابن بيئتهم بثقافتها، وعلمها وغيره، أن يكون على هذه الحال الذي لم يبلغ شأوه أحد، ولن يبلغه أحد، بل إن الفارق بين شأوه وبين جميع الناس كالفارق بين السماء والأرض.