وإذا كانت سورة الضحى من أوائل ما نزل في سياق ثناء الله تعالى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي سياق ما ذكرنا من معان يحملها هذا الثناء، فقد نزل الوحي بعد سورة الضحى بسورة {أَلَمْ نَشْرَحْ} تالية لها مباشرة في التنزيل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث عدت الثانية عشر في (ترتيب السيوطي)(١) بذكر الفاتحة، وهي تحمل أيضًا - علاوة على ما سنذكره في السيرة - تحمل ثناء بالغًا من الله تعالى على رسوله يدل على صحة الرسالة وصدق النبوة مع المعاني المهمة التي تضبط الدعوة، وتشرح الصدر، وتثبت الأقدام في تلك المرحلة الصعبة في مكة المكرمة.
وثناء الله تعالى عليه هو ما يهمنا ذكره الآن؛ لأنه مقامه، ولربطه بسورة الضحى إذ إن مضمون ألم نشرح شبيه بأنه حجة على مضمون سورة الضحى، تثبيتًا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتذكيره سالف عنايته سبحانه به، وإنارة سبيل الحق، وترفيع الدرجة؛ ليعلم أن الذي ابتدأه بنعمته، ما كان ليقطع عنه فضله، وكان ذلك بطريقة التقرير بماض علمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمًا لا شية فيه ولا ريب، أظهر كذلك بهذا التقرير عناية الله تعالى بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولطفه به، وإزالة الغم والحرج عنه، وتيسير ما عسر عليه، وتشريف قدره لينفس عنه، وكل ذلك يحمل بين طياته حجة لا تدفع أو تدفع، وبرهانًا لا يخبو على أن القرآن من الله جل وعلا، وأنه رسوله الصادق الأمين.
(١) محمد عزة دروزة، "سيرة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (١٥٣/ ١) طبعة ثانية ١٣٨٤ هـ - ١٩٦٥ م عيسى الحلبي وشركاه.