وتمشيًا مع سياق القواعد الموضوعة لهذا البحث، نذكر آية أخرى جمع الله فيها للنبي عليه الصلاة والسلام مكارم الأخلاق، وهي قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩] لنُحللها حتى يتضح كيف أمره الله بهذا؟ بعد أن مدحه بأنه على خُلُقٍ عظيم، ونلاحظ ما يلي:
أنَّ هذه الآية في سورة الأعراف، وهي السابعة والثلاثون في ترتيب النزول، ومعنى أنَّ الله تعالى يأمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هذه المدة بذلك مع أن تلك أخلاقه، وأنه أثنى عليه بها أن يكون ذلك خطاباً لأُمَّته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو المناسب للسياق القرآني حيث جاء بعد ذلك قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)} [الأعراف: ٢٠٠].
وكما بَيَّنَّا في عصمته لا يمكن أن يكون ذلك في حَقَّه - عليه الصلاة والسلام - والاحتمال الآخر أن يكون الخطاب له في جزئه الأول، وهو خذ العفو ... ، وكذلك يكون مُوَجَّهًا للمؤمنين، ولا يمتنع أن يكون في الثاني للمؤمنين أيضاً، وحينئذ يكون المراد من هذا التوجيه القرآني الكريم لهذه الصيغة، هو التأكيد مرة أخرى على مكارم الأخلاق، وتثبيت المؤمنين فيما لا قوة من الأذى على مارَبَّاهم عليه من حسن الخلق، لأن ذلك دليل أنه لأمر ما مهم، قد ندبهم لذلك مرة أخرى، وأمرهم به.
ويوضح هذا الأمر أن المشركين قد وصلت إساءتهم إلى الحد الذي يمكن أن يخرج