للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول

إرهاصات (البعثة - النبوة)

ومن إرهاصات النبوة قبيل البعثة، أمور كثيرة وقعت له تدل على عناية الله به في إعداده وتأهيله لما سيفاجأ به من تحمل الرسالة لإنقاذ البشرية الضالة:

١ - تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "إن أول ما بدئ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" (١).

٢ - ثم حبب إليه العزلة، فكان يخلو بغار حراء يتحنّث - يتعبد - فيه الليالي ذوات العدد، ويطعم من أتاه من المساكين، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء بجبل حراء، وهو جبل يطل على الكعبة، ويحتاج صعوده إلى جهد. (٢)

والتحنث من بقايا دين إبراهيم - عليه السلام - وكان هذا الاعتكاف مما تحنث به قريش في الجاهلية وقد ورد ذلك في الرواية الصحيحة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوف بنذرك"


(١) روى البخاري عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" (٦٩٨٩)، وورد: "رؤيا المؤمن .... " البخاري (٧٩٨٧)، ومسلم (٢٢٦٤).
(٢) البخاري (٣)، ومسلم (١٦١). ويقول ابن أبي جمرة: "الحكمة في تخصيصه بالتخلي فيه أن المقيم فيه يمكنه رؤية الكعبة، فيجتمع لمن يخلو فيه ثلاث عبادات: الخلوة، والتعبد، والنظر إلى البيت" فتح الباري (٣٥٥/ ١٢)، وانظر د. أكرم العمري، "السيرة النبوية الصحيحة" (١٢٣).

<<  <   >  >>