للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاعتكف ليلة (١). وقال ابن هشام: تقول العرب: التحنُّث والتحنُّف، يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء كما قالوا: جَدَف وجَدَث يريدون: القبر قال رؤبة بن العجاج:

لو كان أحجاري مع الأجداف

يريد الأجداث، وقال أيضًا: وحدثني أبو عبيدة أن العرب تقول: فمَّ في موضع ثمَّ يبدلون الفاء من الثاء. (٢)

أما الرؤيا في القرآن الكريم فهي تصديق لما ورد في السنة - مما ذكرنا - ومن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رؤيا الأنبياء وحي" (٣) فما يرونه فهو من وحي الله لهم، ويجب عليهم المسارعة إلى امتثاله، قال تعالى في قصة إبراهيم - عليه السلام -: "يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى". فما كان رد إسماعيل - عليه السلام - إلا أن وافقه برضا على امتثال ذلك الوحي قائلاً كما ذكر القرآن الكريم: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: ١٠٢]، وكذلك رؤيا يوسف - عليه السلام - حيث قال في نهاية القصة: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: ١٠٠] ورؤيا يوسف - عليه السلام - كانت قبل البعثة.

ومن هنا رأينا تواطؤ الكتاب والسنة وما ورد عن الأنبياء عليهم السلام على صحة ذلك إذ تلك الرؤى من علامات وحي الأنبياء، وبالتالي فإنها من إرهاصات نبوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ جاءت رؤاه كفلق الصبح تصديقًا لما يرى، فيراها ويحكيها فإذا هي تقع كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

أما الاعتكاف، واعتزال الناس لفترات زمنية فذلك مما يصفي النفس والقلب والفكر، ويساعد المرء على حسن النظر في أموره وأمور من حوله، ليتمكن من إصلاح


(١) البخاري (٢١٣٢)، ومسلم (١٦٥٦).
(٢) ابن هشام، "السيرة النبوية" (١٥٢/ ١).
(٣) البخاري، الصحيح، باب التخفيف في الوضوء (١٣٨).

<<  <   >  >>