ونشرع في المقصود من السورة مما يتعلق بثناء الله تعالى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تحليلاً وتفسيرًا.
إن أول ما يصادفنا لنلقي عليه ضوء التحليل هو قوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}.
- فالاستفهام تقريري على النفي، والمقصود التقرير على إثبات المنفي وهو شرح الصدر، ثم إن ثبوت شرح الصدر بالاستفهام للإيذان بأن ثبوته من الظهور، بحيث لا يقدر أحد على أن يجيب عنه بغير بلى، فخطاب الله تعالى لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه تذكير إذن للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأمر يعرفه حق المعرفة، يحمل منة عظمى من الله جل وعلا له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسنعود إلى هذا الأمر بعد قليل إن شاء الله تعالى.
- ولكن لماذا يقرره ربه سبحانه بأنه قد شرح صدره؟ المتبادر من الفهم أن يقال لِمَ يضيق صدره؟ ألم نشرحه؟ وكأنه قد وقع له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أسباب ضيق الصدر ما جعل المولى سبحانه يذكره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذه المنة، وتلك الفضيلة التي وسمه بها من قبل، لتحمله على سعة الصدر، والتحمل وكظم الغيظ، ولا بد أن ذلك الضيق حصل له من شدة أذى قوم يريد صلاحهم، وإنقاذهم من النار، ورفع شأنهم بين الأمم في الأولى والآخرة فقابلوه بذلك الإيذاء الشديد مما سطرته صادقة كتب السيرة والتواريخ، إذاً نحن أمام أمر الله المستفاد من هذه الجملة، وهو طالما قد شرح لك صدرك، فدم على دعوتك العظيمة نشيطًا واسع الصدر، غير ضائق ولا عابئ بأذاهم، غير ذي أسف ولا كمد (١)، وقد نزل عليه مثل ذلك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هذه الآيات كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨)} [الحجر: ٩٧، ٩٨].
- نلاحظ في الآية الكريمة - كما ذكرنا - أن شرح الصدر لا يمكن إنكاره، ولا يُرَدُّ على الاستفهام إلا ببلى، فهل هذا الجواب من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحده، أو من كل من يسمع
(١) انظر الطاهر بن عاشور، "التحرير والتنوير"، (٤٠٨/ ٣٠)، وكذلك أبا السعود، "إرشاد العقل السليم"، (٨٨١/ ٥)، الألوسي، "روح المعاني" (٢٩٧/ ٣٠).