للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ساعتئذ هذا الاستفهام! لا يمكن الجواب في حق الرسول صلوات الله عليه إلا بنعم، لا خلاف فيها على أي معنى كان هذا الشرح، وإنما الأخذ والرد على الحاضرين من قريش وأهل مكة المعاندين للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والذين ذكَّر الله تعالى نبيه بقرآن يتلو عليهم فيه هذا الاستفهام الإنكاري، وفي شيء يتعلق بهم؛ وهو شدة إيذائهم له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هل علموا هذا الشرح ومعناه هل وهم مسلمون به؟ هذا يجرنا إلى ما وعدنا به آنفا من تبيين معنى شرح الصدر الذي امتن الله به سبحانه على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لنستطيع أن نجيب على هذا السؤال فأقول:

ذكر العلماء أن الصدر المقصود به الإحساس الباطني الجامع لمعنى العقل والإدراك حيث هو محل أحوال النفس ومخزن سرائرها من العلوم والإدراكات والملكات والإرادات وغيرها، فعبر بشرحه عن توسيع دائرة تصرفاتها، وذلك بأمرين بتأييدها بالقوة القدسية، والثاني: تحليتها بالكمالات الأنسية. (١)

وكلا الأمرين مشاهد في أحوال البشر، فكان شرح الصدر كناية عن الإنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية؛ لأنه لما قرره سبحانه على شرح صدره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكأنه أعطاه ما تطلع إليه نفسه من كل ما يشرح الصدر، فقيل له ألم نعطك ذلك؟ وإن مما تهفو إليه نفسه في مثل هذا الحال هو الكمالات النفسية العلية، وإعلامه برضى الله تعالى عنه، وبشارته بما سيحصل للدين الذي جاء به من النصر والرفعة (٢).

هذا هو المعنى الأول لشرح الصدر، وقد فسره به ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال شرح قلبه بالإسلام، وعن الحسن، شرح صدره أن مُلِئَ علمًا وحكمًا، وقال سهل بن عبد الله التستري: شرح صدره بنور الرسالة، وعلى هذا المعنى أو هذا الوجه حمل شرح الصدر


(١) انظر أبا السعود، "إرشاد العقل السليم" (٨٨١/ ٥)، روح المعاني، (٢٩٨/ ٣٠).
(٢) انظر الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٤٠٨/ ٣٠).

<<  <   >  >>