وهذا يبين الأسوة الحسنة للمؤمنين المتقين من وجهين:
الأول: إذا كان النبي في هذا المقام العالي، وأمر بذلك فمن باب الأولى أن يكون المؤمنون سالكين سبيل الاجتهاد كذلك.
الثاني: وهو خوفه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المعصية الواحدة لهول العذاب - كما تدل عليه الآيات - فكيف الحال بباقي الخلق المؤمنين فمن دونهم من المشركين.
ولذلك رأينا تكرير قوله {وَأُمِرْتُ} تنويهًا بشأن المأمور به الثاني، وإظهارًا لأهميته، حيث عطف على {أُمِرْتُ} الأول، وليس ذلك تكريرًا محضًا لسببين:
الأول: أن أمرت الأول لبيان المأمور، وذكر الأمر الثاني لبيان المأمور لأجله بضميمة قيد التعليل.
الثاني: أن قوله في الأول: {أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ} أن العبادة لها ركنان عمل القلب، وعمل الجوارح، وعمل القلب أشرف فقدم على عمل الجوارح، وهو قوله {مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١)}، وأما قوله {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢)} فمن معاني الإسلام الأعمال الظاهرة كالصلاة وبقية الأركان كما في حديث جبريل - عليه السلام - فكان أمرت الأول بعمل القلب، والثاني بعمل الجوارح قلا تكرار إذن.
وكل ذلك يدلنا على اكتمال ما به يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نهاية العصمة، حيث أشارت الآيات إلى أمرين عظيمين:
الأول: يشاركه فيه غيره، وهو أن يعبد الله مخلصًا له الدين.