ثانيًا: من الذي أدرى الموجودين أيامها أن هذا المولود الذي ولد ولادة عادية سيزول الظلم على يديه، ومن كان يستطيع أن يدعي ذلك إلا ضاربو الودع الذين يمقتهم الشيخ، أي بعد أن زال الظلم بدينه ودعوته وجهاده في سنين طويلة تجيء لتقول كان مولده كذا، تراك لو كنت موجودًا حال مولده كنت ستقول بأن هذا الآتي إلى العالم سيدك معالم الظلم، على أحسن الأحوال ستجد من يردك تكذيبًا لك.
ثم يواصل مسلسل الإنشاء بأن رسالته أخطر ثورة ... وهي ألفاظ غريبة على الحس الإسلامي نفسه بعد ذلك، وهو كلام في غير محله، يراد به كلامٌ في محله ولو قلنا بقولك لكان أصحاب الإرهاصات أقوم قيلاً، لأنهم لو قالوا هذا المولود الذي صاحبته هذه الإرهاصات سيكون له شأن، لكان لهم دليل على قولهم يوم لم يكن لقولك شبهة دليل.
وتستحكم عقدة الخواجة بقوله محمد غني عن هذا كله، فإن نصيبه الضخم من الواقع المشرف يزهدنا في هذه الروايات وأشباهها.
إن النصيب الضخم له من الواقع المشرف هنا أشبه بكلام "وات" عندما أراد أن ينفي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أرسل لكسرى وقيصر للدخول في الإسلام فيقول:(إن مثل هذا الحكيم والسياسي الداهية لا يمكن أن يدعو قيصر الروم والإمبراطور الفارسي للدخول في الإسلام)(١). وهو يحاول بذلك هدم فكرة عالمية الدعوة.
هذه المقولة تُشعر أيضًا بعدم دخول النبوة واصطفائها في حسابه وإن البشر العاديين يمكن أن يكون لهم نصيب ضخم ... إذاً ما الفارق؟!
(١) انظر عبد الله النعيم "الاستشراق في السيرة" (٤٥).