للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتصيير هذه القصة حجر عثرة أمام تفكيره وفي كل مناقشاته، إذ يصبح سؤاله دائمًا ألم تذكر روايات الإسلام كذا وكذا عن محمد، وهذا من خبث مقصده ودوافعه في كتاباته عن الإسلام ونبيه - عليه الصلاة والسلام - والرد سهل كما أشرنا لمن يعقل.

- الملحوظة الثانية:

أنه لم يقف به التعصب والانحياز السيئ عند هذا الحد، إنه قطع الطريق تمامًا على القارئ أو الباحث أن يفكر في كلامه مجرد تفكير فضلاً عن البحث أو التمحيص وذلك بأمرين مُلِئا غشًا وخداعًا وتدليسًا وكل ما يُستحى من ذكره.

الأمر الأول: بنفي صحة الروايات بحجة أنها غير حقيقية عند المؤرخ العلماني حيث يقول: "لا شك أنها غير حقيقية عند المؤرخ الذي لا يؤمن بالغيب" (١)، وهذا كلام في منتهى السقوط والتهافت لهذه الأسباب:

١ - أن صحة الروايات وعدمها ليست لغير المتخصصين في علم الرواية، إذ كيف يتكلم من لا يحسن فيما لا يحسن، إنه حينئذ يتكلم بالكذب، أي بالظن والتخمين - وهو أكذب الحديث - وهو علم خاص بالمسلمين لم تتكلم فيه ولم تبحثه أي أُمَّة غيرهم؛ حيث به حفظ الدين وكلام الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بالثقة عن الثقة إلى أن يؤدي آخر ثقة ما سمعه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما هو، واضعين نصب أعينهم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كذب علىَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار (٢)» فلا يقبلون أي رواية، خاصة رواية الكذابين وهذا العلم لا حظَّ لغير المسلمين فيه؛ لأن سلسلة الإسناد - حدثنا فلان حدثنا فلان إلى الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعتمد الإسلام والإيمان بنبوة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، و"وات" يعلم ذلك جيدًا وأنه لا يزيد عن كونه مؤرخًا،


(١) محمد في مكة (٣٣ - ٣٤).
(٢) البخاري، الصحيح (١/ ١٠٦)، باب: إثم من كذب على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

<<  <   >  >>