ذكرت القصة أن الراهب لم يبق محمدًا معهم إلا حال تعرفه على أوصافه، وأنه النبي المبعوث، ثم ناشد عمه أبا طالب أن يرده سريعًا إلى مكة؛ خشية من إيذاء اليهود والروم له، فلم يبقه في الركب معهم حتى نقول جلس عنده أو قابل غيره بل أمر برجوعه توًا إلى مكة، وأين قوله «هذا رحمة الله للعالمين»، «وهذا سيد العالمين»، وبعد ذلك يجلس ليعلمه التوراة، أبعد أن علم نبوته، يقول له هيا لأعلمك ما لن يعلمه الله لك؟! أو ما سوف يعلمه الله لك بعد سنين متطاولة، هذه عجائب المخلوقات ولولا أن هذا الكلام قد قيل ما سودنا به تلك الأسطر.
ومحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الفترة – تنزلاً معهم – هؤلاء المتعصبين – لا يعرف القراءة ولا الكتابة فكيف تعلم؟ وإن عرفها لم تكن الكتب السابقة قد ترجمت للعربية، فإنها لم يترجمها أصحابها إلا قريبًا بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى بقرون طويلة، الكلام كثير في الرد عليهم وأما مقصودهم ففي النهاية هو رد أصول الإسلام إلى التوراة، فأين ذلك في تعاليمه؟ وهل حارب اليهود وأجلاهم عن المدينة، وأبقى تعاليمهم في كتابه وسيرته، إلا إذا كان مؤدى تلك التعاليم أن هؤلاء قوم لا بد أن يقاتلوا، وأن يجلوا عن المدينة، وعن جزيرة العرب، وأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وأنهم قوم بهت وسوء، لا عهد لهم ولا ذمة، قد بدت البغضاء من أفواههم، وما أخفت صدورهم أكبر، وودوا لو تكفرون، كانت فرية إذن أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تأثر بهؤلاء، والعجب أن يأتي مدعو العلم والمنهجية ليرددوها بكل برود تقليدًا لأخلاق أسلافهم تلك، وما استحيوا أن يرددوا كذبًا ممجوجًا يعلمونه، ولكنهم استخفوا بعقول مريضة، أو عقول ممسوحة، أو عقول لا تفكير فيها ولا نظر لها، كل ذلك ليحموا بني جلدتهم ويحصنوهم ضد الإسلام ويعموا على أبصارهم وعقولهم حتى لا ترى النور، مع تشكيك المسلمين في دينهم. (١)