للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الأول: وهو أن الله عصمه من سماع ومشاهدة الأعراس، والسمر واللهو كما يلهو أمثاله في صباه أيام كان يرعى الغنم في مكة. (١)

الأمر الثاني: ثبت أنه نهي عن رفع إزاره وهو رجل عند نقله الحجارة مع عمه العباس عند تجديد قريش لبناء الكعبة، فقد اقترح عليه العباس - رضي الله عنه - أن يرفع إزاره، ويجعله على رقبته ليقيه أثر الحجارة، مادام بعيدًا عن الناس فلما فعل خر مغشيًا عليه، فلما أفاق طلب أن يشدوا عليه إزاره (٢) والعري لم يكن مستنكرًا إذ كان هناك من يطوف بالبيت عريانًا، وقد استمر ذلك حتى منعه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد فتح مكة في حجة الصديق سنة تسع للهجرة، حيث أمر الصديق بإبلاغ الناس ألا يحج بعد هذا العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان (٣).

وقد علق شارح البخاري الحافظ بن حجر على هذا الحديث بقوله: "وفي الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مصونًا عما يستقبح قبل البعثة وبعدها". (٤)

وبالنظر في الأمرين يتجلى بوضوح ما كان من تربية الله له، وبحفظه من تلك القبائح التي تُعد في نظر المعاصر لها من الأمور العادية، بل والناظر لها الآن، وهذا يدلنا على حفظه لما هو أكبر منها، فإذا كان محفوظًا في الصغير فمن باب الأولى أن يكون محفوظاً في الكبير.


(١) اختلف العلماء في تصحيح هذا الخبر، فصححه الحاكم في المستدرك (٢٥٤/ ٤)، والذهبي وغيرهما، وضعفه الإمام بن كثير في البداية والنهاية (٢٨٧/ ٢)، وكذا الشيخ الألباني في تخريجه لفقه السيرة لمحمد الغزالي (٧٢)، وقال الحافظ بن حجر: إسناده حسن متصل ورجاله ثقات، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٢٢٩/ ٩) رواه البزار وإسناده ثقات كما ذكر ذلك محققًا دلائل النبوة لأبي نعيم (١٨٦/ ١).
(٢) البخاري (٣٥١)، ومسلم (٥١٥) من حديث جابر رضي الله عنه.
(٣) البخاري (١٥١٧) ومسلم (٢٤٠١) عن أبى هريرة رضى الله عنه.
(٤) ابن حجر، "فتح الباري" (٤٧٥/ ١).

<<  <   >  >>