للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاسمية على ثبات الخبر وهكذا كل ما ورد فيه نفى صفه الجنون عنه فإنما هو رد على أقوال المشركين كقوله: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢)} وقد زل فيه صاحب الكشاف زلة لا تليق بعلمه (١).

وقد أكد القرآن أن نفي الجنون عنه أنه بسبب نعمة الله تعالى عليه، أو لتلبسه بنعمة الله جلَّ وعلا، فكيف يكون مجنوناً من هو محاط بنعمة الله متدثراً بها، فهى عليه كاللباس مشتملاً بها.

وهو ما يدل في محاجة المشركين على أنّ هذه النعم كانت ظاهرة في حقه من الفصاحة، والعقل الكامل والسيرة المرضية، والبراءة من كل عيب، والاتصاف بكل مكرمة، فوجودها تنافي الجنون وحصوله، وقد نبه الله تعالى على هذه الدقيقة لتكون جارية مجرى الدلالة اليقينية على كونهم كاذبين في قولهم له إنه لمجنون (٢).

يقول العلامة أبو السعود في "إرشاد العقل السليم" في ذكر قوله: {رَبِّكَ} حيث أظهر وصف الربوبية، وأضافها إلى النبي - عليه السلام والصلاة - أنه يدل على عظمة قيمة


(١) انظر الطاهر ابن عاشور " التحرير والتنوير" (٢٩/ ٦٢)، الدار التونسية للنشر، بغير سنة الطبع، والزلة التى يشير إليها للزمخشرى في تفسيره لسورة التكوير حيث استدل بهذه الآية على علو مقام جبريل - عليه السلام - على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا من عقائد المعتزلة ودسائسها.
(٢) انظر الفخر الرازي " التفسير الكبير" (١٥/ ٦٤٨)، وأبا حيان "البحر المحيط" (١٠/ ٢٣٥) دار الفكر ١٤١٢ هـ ١٩٩٢ م، وابن عطية "المحرر الوجيز" (٥/ ٢٣٦)، وقد ذكر بعض المفسرين كأبي السعود أن النعمة هي النبوة والرياسة العامة وهذه يجادل فيها المشركون وينكرونها، وأما ما ذكرنا فهو المناسب لرد الجنون المزعوم. انظر أبا السعود "إرشاد العقل السليم" (٥/ ٧٥٢) طبعة دار الفكر، والألوسي "روح المعاني" (١٦/ ٤١) المكتبة التجارية.

<<  <   >  >>