للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له، ومنطق العقل والواقع يدعي أنه لو كان هناك غير ورقة لاحتمل الذهاب إليه، أو من هو أعلم من ورقة لذهبت إليه قطعًا، وبالتالي كان دخول ورقة في الأحداث وظهوره في الصورة أمرًا عارضًا، ساقته الأقدار في لحظتها، خاصة وقد ذكر ابن سعد أنها المرة الأولى التي تأتي خديجة رضي الله عنها ورقة بن نوفل (١)، علاوة على أن المصادر كلها لم تشر من قريب أو بعيد إلى اهتمام المرأة المكية بالدين قبل الإسلام حتى تترك تجارتها أو تفرط فيها لتذهب إلى ورقة لتتعلم منه!

وكان من حكمة الله تعالى أن انقطع الوحي بعد ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فترة من الزمن وذلك حتى تتأكد تلك الحقيقة التي سنؤكدها فيما بعد من أن الوحي ظاهرة خارقة للعادة، منفصلة تمام الانفصال عن شخصية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأيضًا حتى يتشوق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنزول الوحي وتتابعه عليه.

وقد استمرت هذه الفترة كما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أربعين يومًا (٢)، وقيل أنها كانت أيامًا (٣) وإن كانت لا تعلم بوجه صحيح، وجزع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هذا الانقطاع حتى ذكر الزهري (٤) أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحاول أن يتردى من شواهق الجبال، ولكن هذا الكلام من الزهري ضعيف لعدم صحة سنده، ولكون ذلك يتنافى مع عصمة الأنبياء (٥).

بعد مدة الفتور هذه نزل الوحي مرة أخرى فيقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي


(١) ابن سعد "الطبقات" (١٩٥/ ١).
(٢) الزرقاني "شرح المواهب اللدنية" (٢٣٦/ ١)، والشامي "من معين السيرة" (٢٩).
(٣) ابن حجر العسقلاني "فتح الباري" (٦٩٨٢ / ج).
(٤) محمد بن شهاب الزهري أحد رواة نزول الوحي السابق ذكره.
(٥) انظر ناصر الدين الألباني "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة" (٤٠).

<<  <   >  >>