للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعدّى فعل الصبر إلى اسم الذي يتحمله الصابر بحرف {عَلَى}، يقال: صبر على الأذى. ويتضمن معنى الخضوع للشيء الشاق فيعدى إلى اسم ما يتحمله الصابر باللام. ومناسبة المقام ترجح إحدى التعديتين، فلا يقال: اصبر على الله، ويقال: اصبر على حكم الله، أو لحكم الله. فيجوز أن تكون اللام في قوله {وَلِرَبِّكَ} لتعدية فعل الصبر على تقدير مضاف، أي اصبر لأمره وتكاليف وحيه كما قال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [سورة الطور: ٤٨] وقوله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤)} [سورة الإِنسان: ٢٤] فيناسب نداءه بـ

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} [المدثر: ١] لأنه تدثر من شدة وقع رؤية المَلك، وتركُ ذكر المضاف لتذهب النفس إلى كل ما هو من شأن المضاف إليه مما يتعلق بالمخاطب.

وتقديم {وَلِرَبِّكَ} على {فَاصْبِرْ} للاهتمام بالأمور التي يصبر لأجلها مع الرعاية على الفاصلة، وجَعل بعضهم اللام في {وَلِرَبِّكَ} لام التعليل، أي اصبر على أذاهم لأجله، فيكون في معنى: إنه يصبر توكلاً على أن الله يتولى جزاءهم، وهذا مبني على أن سبب نزول السورة ما لحق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذى المشركين.

وفي التعبير عن الله بوصف {وَلِرَبِّكَ} إيماء إلى أن هذا الصبر برّ بالمولى وطاعة له.

فهذه ست وصايا أوصى الله بها رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مبدإ رسالته وهي من جوامع القرآن أراد الله بها تزكية رسوله وجعلها قدوة لأمته. تبين بواعث الدعوة وأهدافها وطرائق القبول لها، والزاد الذى يُقَوى على تحملها، وأسباب النصر فيها وكل ذلك مما يراد من المؤمنين – المتقين – اليوم ليعودوا لرفع راية الاسلام ونشر دعوته، وقد رأينا في ذلك الحكمة، والتعامل الحسن والصبر، والعبادة.

وتحمل في طياتها كثير الرد على "وات" وأمثاله في بواعث الدعوة التى أخترعها ونسج حولها مالم يأت به كتاب، أو يتفوه به كاتب.

<<  <   >  >>