حيث استدل الحافظ بن حجر بقصة إسلام أبى ذر، واستضافة على بن أبى طالب - رضي الله عنهم - أجمعين إلى كونها بعد المبعث في سن يتمكن فيها على معرفة الغريب وسؤاله، والحيطة والحذر في الكلام معه ثم استضافته.
ونذكر الروايات الصحيحة أن أبا ذر - رضي الله عنه - كان منكراً لحال الجاهلية، يأبى عبادة الأصنام وينكر على من يشرك بالله، وكان يصلى لله قبل إسلامه بثلاث سنوات دون أن يخص قبلة بالتوجه ويبدو أنه كان متأثراً بالأحناف، ولما سمع بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم إلى مكة، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه الليل، فاضطجع فرآه على - رضي الله عنه - فعرف أنه غريب، فاستضافه ولم يسأله عن شيء، ثم غادره صباحاً إلى المسجد الحرام فمكث حتى أمسى، فرآه على فاستضافه لليلة ثانية، وحدث مثل ذلك في الليلة الثالثة، ثم سأله عن سبب قدومه، فلما استوثق منه أبو ذر أخبره بأنه يريد مقابلة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له على:«فإنه حق وهو رسول الله فإذا أصبحت فاتبعنى، فإنى إن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأنى أريق الماء فإن مضيت فاتبعنى، فتبعه وقابل الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستمع إلى قوله فأسلم، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمرى، فقال: والذى نفسى بيده لأصرخنَّ بها بين ظهرانيهم؛ فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه»، فأتى العباسُ بن عبد المطلب فحذرهم من انتقام غِفار (١)، والتعرض لتجارتهم التى تمر بديارهم إلى الشام. فأنقذه منهم.
وهذه الرواية تفيد وجود بعض الأحناف في البوادى، ولعل ما بدا من حذر على - رضي الله عنه - وما وقع من ضرب قريش لأبى ذر، ومن وصف أنيس أخى أبى ذر الحالة في مكة عندما
(١) البخاري، فتح الباري ()، ومسلم الصحيح (١٩٢٣ - ١٩٢٥)، ورواية عبادة بن الصامت في صحيح تذهب إلى أن اللقاء الأول بين أبى ذر والرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قرب الكعبة المشرفة بحضور أبى بكر - رضي الله عنه -.