للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المشركون عند حد في سوء تعاملهم مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين، فأخذوا في أسلوب آخر يواجهون به المؤمنين، ويثبطونهم به عن الدعوة إلى الله تعالى، وشغلهم بشحن نفوسهم بالضيق والحزن عن مواصلة البلاغ المبين، وفي ذلك يقول المولى سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَن اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)} [الأنعام: ٥٣]، وقال ذاكراً لمزهم موبخاً لهم عليه: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠)} [المطففين: ٢٩ - ٣٠].

وثبت من طرق صحيحة أن أشراف قريش اجتمعوا يوماً في الحجر يتذاكرون أمر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما جاء به، وبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليطوف بالبيت. فلما رأوه غمزوه ببعض القول ثلاث مرات، فقال لهم: «يا معشر قريش، أما والذى نفسى بيده لقد جئتكم بالذبح .....» (١)، وقد فزعوا من هذا الموقف.

وكان من سخريتهم كذلك واستهزائهم ما قص القرآن الكريم في قوله: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (٤١)} [الفرقان: ٤١].

وقد مَرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً بجماعة من زعماء قريش فهمزوه، واستهزأوا به، فغاظه ذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)} [الأنعام: ١٠]. (٢)

وروى البخاري أن امرأة قالت للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساخرة مستهزأة: إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً. فأنزل الله تعالى: {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا


(١) أحمد، المسند، الفتح الباري (٢٠/ ٢١٩ - ٢٢٠)، وصحح شاكر إسناده، وابن أبى شيبة، المصنف (١٤/ ٢٩٧)، وابن اسحاق باسناد حسن، ابن هشام (١/ ١٨٥ - ١٨٦)، وذكره الألبانى في صحيح السيرة (١٤٨ - ١٤٩).
(٢) ذكره ابن اسحاق، ابن هشام (٢/ ٤٢)، وذكره السيوطى في الدر المنثور (٣/ ٥).

<<  <   >  >>