للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند مصلاه، فلما اتُخِذ للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منبر، وعدل إليه ليخطب عليه، خار ذلك الجذع، وحن حنين النوق العشار، لما كان يسمع من خطب الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوضع يده عليه حتى سكن كما يسكن المولود الذى يسكت. وهذا من دلائل نبوته - عليه الصلاة والسلام - (١).

وإن بالمسجد لتتحقق أنظمة وآداب الإسلام، التى سعى إليها الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، من أول يوم وصل فيه إلى المدينة المنورة.

- إن من أول نظم الإسلام وآدابه، شيوع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين، ولا يتم ذلك إلا بتلاقى المسلمين مرات متعددة، في بيوت الله، تتساقط فيها فوارق الجاه والمال، لتحل بينهم روح التآلف والتآخى والمودة.

- وإن من أعظم ما جاء به الإسلام، وعمل على تحقيقه ونشره، وقد ساد واقعاً وفكراً، هو بث روح المساواة والعدل، بين المسلمين في مختلف أحوالهم، وعامة شؤونهم، ولا يتم ذلك إلا بوقوفهم صفاً واحداً، متجهين لرب واحد، وقبلة واحدة، لا فرق بينهم إلا بتقوى الله تعالى، ولا يتم ذلك إلا في بيوت الله، فمهما انصرف الناس إلى بيوتهم يصلون، لا يظهر ذلك، فضلاً عن أن تشيع تلك الروح؛ إلا في بيوت الله تعالى.

- وكذلك انصهار المؤمنين في بوتقة من الوحدة الراسخة، يجمعهم عليها حبل الله، الذى هو حكمه وشرعه، فمالم تقم في أنحاء مجتمع المسلمين مساجد، يجتمعون فيها على تعلم حكم الله، وشريعته ليتمسكوا بهما، ويدعوا إليهما على علم وبصيرة، آلت وحدتهم إلى شتات، وفرقتهم الأهواء والشهوات.

ولقد كان المسجد يقوم بأعظم دور، من صغير الأعمال - كما يتصور البعض - إلى جليلها:


(١) البخاري (٣٥٨٥).

<<  <   >  >>