وقد صَدَّرت ذلك كله بقوله تعالى:{قُلْ} توجيه آمر للنبى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن يعلن ذلك، وأن يرسله في كل ملأ، ليبين دين الله تعالى، مقيماً به الحجة، نافياً عنه اللبس، والإفك، وإن قلنا ثَمَّ دليل على الوحى القرآنى، للرد على "وات"، وعلى التحليل النفسى، فهو هذه الآية الكريمة، والتى تقول للنبى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {قُلْ} أي: ليس من عنده، وما هو الإ مبلغ، وتوضح له ماذا يقول، مما يستحيل أن يكون قد سمعه قبل ذلك، فخزنه في عقله الباطن - كما يزعم -، إذ ما قاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم يكن ليقوله، أو ليستطيع أن يرتبه ذلك الترتيب، بشرٌ حينئذ، من حيث الأسلوب، أو المعنى، أو تَرَتُّبُ هذه المعانى على الواقع، مع الإخبار بالبعث، والهداية والضلال.
وشَرْحُ ذلك ببعض التفصيل، مما يطول بحثاً ونقلاً، ولكن نسوق شيئاً مما ذكره المفسرون، ونخص ابن عاشور بالذكر، لتوضيحه ذلك لغةً، وبلاغةً فيقول ما ملخصه (١):
بعد أن أبطل زعمهم، - أن الله أمرهم بما يفعلونه من الفواحش - إبطالاً عاماً بقوله:«قُلْ إِن اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ»، استأنف استئنافاً استطرادياً، بما فيه جماع مقومات الدين الحق، الذى يجمعه معنى القسط، تعليماً لهم بنقيض جهلهم، وتنويهاً بجلال الله تعالى، بأن يعلموا شأن الذي يأمر الله به، ولأهمية هذا الغرض فصلت هذه الجملة عن التى قبلها، ولم يعطف القول على القول، لأن في إعادة فعل القول، وفي ترك عطفه على نظيره لفتاً للأذهان إليه.
والقسط: العدل، وهو هنا بمعناه الأعم، الذى هو وسط بين الإفراط والتفريط في الأشياء، وهو الفضيلة من كل فعل، فالله تعالى أمر بالفضائل، وبما تشهد العقول السليمة أنه صلاح محض، وأنه حسن مستقيم، نظير قوله: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧)} [الفرقان: ٦٧].
(١) انظر ابن عاشور، التحرير والتنوير، (٨/ ٨٤ - ٨٥).