اليوم إلا الملاجيء، ودور الفشل، التي تساعد في إخراج طفل لا قيمة له، وهي قوله تعالى - عندما أُلغى في الإسلام عادة التبني -: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}[الأحزاب: ٥]. وهو تشريع، يوجب لغير معلومى الآباء - فما بال الباحث بمن علم أبوه وفُقِد - يوجب لهم هذه الحقوق المترتبة على أخوة الإيمان، التى شرعها لهم، كما شرعها لأعلى منهم منزلة اجتماعية أو مادية.
وهذا أعلى تشريع وصل إليه العالم، وهو تشريع لم يصل إليه مُشَرِّعُو حقوق الإنسان، والحقوق المدنية وغيرها، وإن كتبوا مثله حقوقاً، فإن الواقع ناضح بممارسات فاضحة في هذا المجال، لا حصر لها! لا تخطئُها الأعين، بل هي صارخة، فاقئة لكل الأعين، صاخة لكل الأسماع، تهز الوجدان والضمائر الحية، وتدميها، لم تكن في تشريع الإسلام ولا تطبيقه.
ونواصل تلك السيرة، لذلك الصرح الإيماني، الذي رعاه القرآن الكريم، وطبقه
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأصحابه، وعليه، وبه ارتفعت راية الإسلام، حيث التضحية، والبذل، ومحبة كل أحد لأخيه ما يحب لنفسه، بل إيثاره عليها.
نعود إلى النظرة الإجمالية، فنشير إلى سيرة الحقوق، - التي أخذت سنين - تنزيلاً وتطبيقاً، مع آيات قليلة، انتخبناها وافية بالغرض؛ لأنها تدل على ما وراءها:
٢ - إن الحقوق التى شرعها الإسلام للمسلمين، بإخوة الدين، تدرجت من حفظ الحقوق التي لا تنازل عنها، في الدم والعرض والمال، وصولاً إلى البذل والإيثار، الذي يقدم فيه المؤمن أخاه على نفسه، بدءاً بعدم التحقير لأي معروف يبذله لإخوانه، ولو كان في نهاية القلة (١)، مروراً بتفريج الكربات، والتيسير للمصائب العسيرات، وستر العورات، والمساندة والمواساة في السراء والضراء.
(١) شيء من الأحاديث التى تدل على ذلك. قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» رواه مسلم (٢٦٢٦).