هذا المجتمع وصفاءه، وتراص أفراده جميعاً على كلمة سواء، توحد صفهم، وتقوي بنيانهم، وتجعلهم كالجسد الواحد، والبنيان المرصوص، يستطيع أن يبني نهضته، وأن يرفع رايته، وأن يصمد لأعدائه، وأن يواصل سيرته شامخاً مستعصياً، على كل عوامل الهدم والفناء.
قال تعالى أيضاً:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال: ١]. فجعل الإيمان ملهباً لهم، للمسارعة إلى ذلك؛ إذ هو من أهم مميزات الإيمان وعلاماته، وجعله كذلك محور اهتمام المؤمنين جميعاً، عندما أورد الخطاب بصيغة الجمع:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال: ١].
ونصل إلى الصورة التى جَلَّى القرآن الكريم جوانبها لكل المؤمنين، إلى قيام الساعة، وهي صورة المؤمنين أنفسهم، وارتباطهم، فقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)} [الحشر: ٨ - ١٠].
ذكر صاحب الظلال، في الصور الثلاث، التي أبرزت فيها الآيات الملامح المميزة للمهاجرين والأنصار، والذين جاءوا من بعدهم، ما أبرز خصائص الأمة المسلمة على الإطلاق في جميع الأوطان والأزمان.
الصورة الأولى: هي صورة صادقة، تبرز فيها أهم الملامح المميزة للمهاجرين، أخرجوا إخراجاً من ديارهم وأموالهم، أكرههم على الخروج الأذى، والاضطهاد، والتنكر من قرابتهم وعشيرتهم، في مكة، لا ذنب لهم إلا أن يقولوا ربنا الله، وقد خرجوا تاركين