وهذا ما كان يفعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرصد ويراقب ويبث العيون حتى إذا درس الواقع دراسة جيدة، أرسل على إثر ذلك المناسب لها من القوة المرجو بها تحقيق الهدف، أو لم يرسل وأجلها لإتمام الاستطلاع؛ أو إعداد العدة اللازمة، خاصة وأنه في حرب مع قريش.
والرواية الثابتة، ليست المخترعة من وات، تقول:«فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم» فمحا وات هذه العلة (الجملة)، سبب السرية، وأتى لنا من عنده بقوله تنصب كميناً لقافلة قرشية. واضعاً على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم يقله ولن يقوله إلى يوم القيامة، ثم يبنى على هذا الكذب، أو التاريخ المزعوم ما يريد أن يلصقه ظلماً وزوراً بالإسلام ونبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثم أبان وات عما يقصد من تزوير التاريخ، بأنهم أي المسلمين زوروه لرفع المسؤلية عن محمد بسبب أي معركة دموية يمكن أن تقع.
منذ متى كان سيدنا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتنصل من مسؤليته التى شرفه الوحى بها، وأى مسؤلية تقع عليه لو أنه أعلن من بداية السرية كغيرها من السرايا أنها سرية لمعركة دموية، إنه في حرب طويلة بكل الوسائل مع قريش، وإن سرية قتالية لابد من إعلانها حتى يتأهب مقاتلوها، ولا يكون قد ألقى بهم في مهاوى الهلكة أمام أعدائهم، إذ ذلك ليس من خلقه كقائد فضلا عن كونه نبياً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل لو نسب ذلك إلى أقل قائد في الدنيا لما كان مقبولاً.
وإذا علم المتابع أن عدد هذه السرية لا يزيد على أصابع اليد الواحدة حيث ذهب اثنان من السرية هما سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان ليبحثا عن بعيرهما الذى ضل، فهل هذا العدد القليل بعدته الضعيفة يمكن أن يكون سرية هجومية (١)؟!
التالى من كلام وات في هذه السرية هو زمن وقوعها، أول رجب أو نصفه أو آخره، واخترع أنها وقعت في نصف رجب، ثم بعد هذا الافتراض الخاطئ يقول: وأما القول بأن
(١) د. طارق عبد الحميد، شبهات المنصرين حول السيرة النبوية، طبع مركز التنوير الإسلامي بدون تاريخ (٤١١).