للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالقتال في الأشهر الحرم، ولكن كان عليه أن يحترم معتقدات قسم كبير من أتباعه (أصحابه)، وأن يتجنب ما ينشأ عن ذلك من صدى يهدد سلطته كنبى. (١)

ونزيد هنا أن احترام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان معلوماً حتى آخر أيامه في الدنيا للأشهر الحرام حيث قال في حجة الوداع في أخر ما وصى به أصحابه والمؤمنين إلى يوم القيامة: «إن السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان» (٢)، فأين عدم مبالاته وأنه لا يعبأ بالأشهر الحرم في قتال أو غيره، وقد ذكرنا ما قاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله وسريته، من أنهم لم يأمرهم بقتال في الشهر الحرام.

أما أخذه الغنيمة بعد ذلك، فلم يكن دقيقاً القول بعد ذلك، بل بعد أن نزل الوحى يبرئ ساحة عبد الله بن جحش وسريته من مأثم في قتالهم أو شين في سلوكهم فقد رفض أخذ الغنيمة بما أوحى إليه من أمر الله بتعظيم الأشهر الحرام، وأخذها عندما جاءه أمره كذلك في قرآن يتلى أن ما فعله المشركون بالمسلمين أكبر من القتال في الشهر الحرام، وأن ما فعلوه بقريش التى لم تراع فيهم حرمة شهر ولا حرمة بيت إنما هو جائز من رد العدوان، واسترداد الحقوق المسلوبة، مع بقاء تعظيم حرمات تلك الأشهر.

أما قول وات إن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكتشف ردود فعل قوية أكثر مما ينتظر، لذا تردد في قبول الخمس فهو من هراء القول المجافى لحقيقة الانصياع للوحى والإيمان بالنبوة والرسالة، إذ ما الذى حمل هؤلاء الساخطين الذين استرضاهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدم قبول الغنيمة، ما الذى حملهم على الهدوء وترك الغضب والإعلان بالسخط عند قبول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغنيمة وأخذه لها (٣)، إن موقفهم من أصحاب السرية وغضبهم مما فعلوا إنما كان رد فعل لغضب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدليل


(١) Ibid. p.٩.
(٢) ابن سعد، الطبقات (٢/ ١٨٦).
(٣) ابن هشام، السيرة النبوية (٢/ ١٨١)، ابن حزم، جوامع السيرة (١٠٦).

<<  <   >  >>