للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يشير إلى ذلك ابن القيم فيقول: عن قوله: {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢)} [الضحى: ١ - ٢] إقسام منه - سبحانه وتعالى - على إنعامه على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإكرامه له، وإعطائه ما يرضيه، وذلك متضمن لتصديقه له، فهو قسم على صحة نبوته، وعلى جزائه في الآخرة، فهو قسم على النبوة والمعاد.

وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته دالتين على ربوبيته وحكمته ورحمته، وهما الليل والنهار، فتأمل مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى الذي يوافي بعد ظلام الليل للمقسم عليه، وهو نور الوحي؛ الذي وافاه بعد احتباسه عنه، حتى قال أعداؤه: ودع محمداً ربُّه. فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه.

وأيضاً فإن فالق ظلمة الليل عن ضوء النهار هو الذي فلق ظلمة الجهل والشرك بنور الوحي والنبوة فهذان للحس، وهذان للعقل.

ثم يشير إلى معنى مهم، وهو أن لا يليق بحكمته سبحانه أن يترك عباده في ظلمة الليل يعيشون، لا نهار له يقيمون فيه معايشهم، وتستقيم بضوئه وشمسه دنياهم، فكذلك لا يليق أن يتركهم في ظلمة الجهل والغي، بل يهديهم بنور الوحي والنبو إلى مصالح دنياهم وآخرتهم، فتأمل حسن ارتباط المقسم به بالمقسم عليه. (١)

الرابعة: قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)} [الضحى: ٣] جواب القسم، وهو إبطال لمقالتي المشركين في قول بعضهم ودعه ربه، وفي قول آخرين قلاه ربه تهكماً به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو يدل على بقاء مكانته عند ربه، وحظوته لديه، إذ من ودعك قد بالغ في تركك، فما الظن بالقلى وهو البغض والشنآن له؛ أي ما خلاك وأهملك وتركك ولا قطعك وأبغضك منذ اصطفاك


(١) انظر ابن القيم "بدائع التفسير" (٢٥٥/ ٥)، و"التبيان في أقسام القرآن" (٥٢ - ٥٣).

<<  <   >  >>