للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونلخصه فيما يلى لفائدته فيما نحن فيه من سيرة وكيف عبر القرآن الكريم بهذه التعبيرات الجليلة في سوق سيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين، وما ينبغى على المؤمنين أن يفقهوه ليعيدوا به سيرتهم الأولى فيقول: والتلازم بين شرط {وَلَوْ}، وجوابها خفى هنا، وقد أشكل على المفسرين، ومنهم من اضطر إلى تقدير كلام محذوف تقديره: ثم علمتم قلتكم، وأن ذلك يفضى إلى التخلف – وقد ذكرنا القائلين بذلك في الهامش السابق – وغير ذلك من التقدير.

فالوجه في تفسير هذه الآية أن {وَلَوْ}، هذه من قبيل {وَلَوْ}، الصُهَيبية فإن لها استعمالات ملاكها: أن لا يقصد ربط حصول نقيض مضمون الجواب بحصول نقيض مضمون الشرط، بل يقصد أن مضمون الجواب حاصل لا محالة، وقد ذكر الشواهد على تفصيلات ذلك كقوله تعالى: {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فاطر: ١٤]، وقوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨]، ومحصل هذا أن مضمون الجواب مستمر الحصول في جميع الأحوال في فرض المتكلم، فيأتى بجملة الشرط متضمنة الحالة التى هي عند السامع مظنة أن يحصل فيها نقيض مضمون الجواب وذلك كقوله تعالى: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: ٢٣].

والمعنى: لو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد، أي في وقت ما تواعدتم عليه؛ لأن غالب أحوال المتواعدين ألا يستوى وفاؤهما في وقت الوفاء بما تواعدا عليه. أي في وقت واحد، لأن التوقيت كان في تلك الأزمان تقريباً يقدرونه بأجزاء النهار كالضحى والعصر والغروب. لا ينضبط كاليوم فلكياً، والمعنى: فبالأحرى وأنتم لم تتواعدوا وقد أتيتم سواء متحدين وقت حلولكم في العدوتين، فاعلموا أن ذلك تيسير بقدر الله لأنه قدر ذلك لتعلموا أن نصركم من عنده على نحو قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧]. (١)


(١) انظر الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (١٠/ ١٨ - ١٩).

<<  <   >  >>