بدأت الآيات بقوله تعالى:{وَإِذْ زَيَّنَ}، على أنه مقدر بمضمر، ويجوز أن يكون المضمر مخاطباً به المؤمنون، والعطف على {وَلَا تَكُونُوا}، في الآية قبلها، وهي قوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧)} [الأنفال: ٤٧]، أي واذكروا إذ زين لهم الشيطان أعمالهم في معاداة المؤمنين وغيرها، ووسوس إليهم أنهم يَغلبون لكثرة عددهم وعدتهم، وأنه حافظ لهم.
وفي ذلك انقسم العلماء إلى فريقين:
فريق يرى هذا التزيين وسوسة لهم بذلك يحملهم على مواصلة السير إلى بدر، وأنه وسوس لسراقة بن مالك ليكون هو المخبر لقريش والحامل لهم على مواصلة العناد، وأنه يؤمن لهم طريقهم من كنانة التى كانت على عداء مع قريش، فهابوا أن تقاتلهم وتعرقل سعيهم فطمأنهم سراقة بوسوسة الشيطان فمضوا.
والفريق الثاني:
يرى أن تلك الوسوسة وذلك التزيين قام به الشيطان نفسه للمشركين حيث تمثل لهم في صورة سراقة بن مالك، وسار معهم فلما تراءت الفئتان وتلاقى الجمعان نكص على عقبيه لما رأى الملائكة تنزل وظن أن جاء موعده المنظور، وكانت يده في يد الحارث بن هشام فقال له أتخذلنا في هذه الحال، فقال إنى أرى ما لا ترون ودفع في صدره وفر هارباً، وانهزم المشركون ورجعوا مكة قالوا هزم الناس سراقة، فقال ما شعرت بمسيركم حتى بلغتنى هزيمتكم فعلموا أنه الشيطان. (١)
(١) انظر لما سبق من القولين الطبرى، جامع البيان (١٠/ ١٨)، الزمخشرى، الكشاف (٢/ ١٣٠)، وأبا السعود، إرشاد العقل السليم (٢/ ٣٦٥)، والالوسى، روح المعانى (١٠/ ٢١ - ٢٢)، وابن عاشور، التحرير والتنوير (١٠/ ٣٤ - ٣٧)، ورشيد رضا، المنار (١٠/ ٢٩).