عليهم، فالمناسبة بينهما وبين الجملة قبلها: أنها كالعلة لخيبة ظنون المشركين والمنافقين والذين في قلوبهم مرض، وخيب ظنونهم لأن المسلمين توكلوا على الله وهو عزيز لا يغلب فمن تمسك بالاعتماد عليه نصره، وهو حكيم يُكَوِّن أسباب النصر من حيث يجهلها البشر.
وجعل قوله:{فَإِن اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، كناية عن جواب الشرط باعتبار اللازم، ليس هو الجواب بل عزة المتوكل على الله ونجاته من مضيق أمره، وهو من وجوه البيان، وهو كثير الوقوع في القرآن الكريم، وعليه قول زهير بن أبى سلمى
من يَلْقَ يوماً على عِلاَّتِه هَرِماً ... يَلْقَ السماحةَ فيه والندى خُلُقاَ
أي ينل من كرمه ولا يتخلف ذلك عنه في حال من الأحوال. (١)
تلك كانت سيرة غزوة بدر في القرآن الكريم على قدر المستطاع، والملاحظ المتأمل يرى أن أسلوب القصص القرآنى غير أسلوب الحكاية في الواقع والترتيب الزمنى، بل هو أسلوب عال له وجهته في العرض، علاوة على عرض ما يفى تماماً بالإغراض المسوقة لسيها القصة، مع تبيان الحكم والعبر والارشادات والاوامر والنواهى وكل ما للشارع فيه حكمة من وصوله للمسلم للعمل به، وإن قضية الإيمان والتخلق بصفاتها ثم العمل لرفع راية هذا الدين والالتزام بذلك سلوكاً ودعوة وعبادة وعقيدة لهو الهدف الواضح من هذا القصص، مع إظهار كل ما يعيق المسلم في طريق سيره ليحذره، ولئلا يقع فيه مما يعرضه للتخلف والنكوص أو للهلاك والردى، كل ذلك هدى ورحمة للعالمين، ويسوق القرآن الكريم جزيئات يراها المرء من أول وهلة كذلك، ولكنها ذات مدلولات ضخمة، ينبنى عليها صرح الإسلام ومن ثم بقاؤه وانتصاره، وإن التفريط فيها من أكبر أسباب الهزيمة والانكسار.