للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المنزلة السابقة، وتنبه العقل إلى تصحيح تلك المفاهيم عن قيمة هذا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومرتبته السامية عند الله على جميع البشرية، وهي مفاهيم في حاجة إلى تصحيح عند المسلمين قبل غيرهم، إظهارًا لمكانته المشرفة، والتي تفانى المؤمنون الأول في بذل نفوسهم فداء لها من قبل أن يفرض عليهم شيء وما ذلك إلا لمحبتهم له، وتقديمه على أولادهم وأنفسهم وأموالهم.

ونعود إلى تحليل الآية ونلاحظ:

أولاً: أن مقصود الآية هو جملة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} وأن ما قبلها توطئة وتمهيد لها؛ لأن الله لما حَذَّر المؤمنين من كل ما يؤذي الرسول عليه الصلاة والسلام (١) أعقبه بأن ذلك ليس هو أقصى حظهم من معاملة رسولهم أن يتركوا أذاه، بل حظهم أكبر من ذلك وهو أن يصلوا عليه ويسلموا، وذلك هو إكرامهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما بينهم وبين ربهم، فهو يدل على وجوب إكرامه في أقوالهم وأفعالهم بحضرته بدلالة فحوى الخطاب (٢).

ثانيًا: أن الآية بينت دوام صلاة الله وملائكته على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وثباتها وقتًا بعد وقت، وقراءتنا للآية الآن وقراءتها إلى أن تقوم الساعة دليل على استمرار هذا التشريف العظيم الذي ينبغي التدقيق في فهمه من الآية، وذلك أن الجملة الاسمية دالة على الدوام والاستمرار، وصدر الآية جملة اسمية، وأن الجملة الفعلية تفيد التجدد، وعجز الآية جملة فعلية، فأفادت الآية الأمرين معًا، فيكون مفادها استمرار الصلاة وتجددها وقتًا فوقتًا، وتقوى ذلك وتأكد تأكيدًا لا مرية فيه بـ {إِنَّ} وذلك للاعتناء بشأن الخبر، وهذا لم يحدث


(١) في قوله: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا".
(٢) انظر ابن عاشور "التحرير والتنوير" (٩٧/ ٢٢).

<<  <   >  >>