للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ: طُرُقُ مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الرَّبِّ]

ثُمَّ قَالُوا: وَرَأَيْنَا الْحَيَّ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: حَيًّا نَاطِقًا، وَحَيًّا غَيْرَ نَاطِقٍ فَوَصَفْنَاهُ بِأَفْضَلِ الْوَصْفَيْنِ، فَقُلْنَا: إِنَّهُ نَاطِقٌ لِنَنْفِيَ الْجَهْلَ عَنْهُ.

فَيُقَالُ لَهُمْ: لَا رَيْبَ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ مُتَكَلِّمٌ مُخْتَارٌ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ: فَقُلْنَا إِنَّهُ نَاطِقٌ لِنَنْفِيَ الْجَهْلَ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنَّكُمْ أَرَدْتُمُ النُّطْقَ الْمُنَاقِضَ لِلْجَهْلِ، وَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ يُنَاقِضُ الْجَهْلَ لَمْ تُرِيدُوا بِذَلِكَ النُّطْقَ الَّذِي هُوَ الْعِبَارَةُ وَالْبَيَانُ، وَلَمْ تُرِيدُوا بِذَلِكَ مَا جَعَلَهُ بَعْضُ النُّظَّارِ كَلَامًا، وَهِيَ مَعَانِي قَائِمَةٌ بِالنَّفْسِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْعُلُومِ، وَلَا مِنْ جِنْسِ الْإِرَادَاتِ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ لَكُمْ: لَيْسَ فِي الْأَحْيَاءِ إِلَّا مَا هُوَ شَاعِرٌ، فَكُلُّ حَيٍّ فَلَهُ شُعُورٌ بِحَسَبِهِ.

وَكُلَّمَا قَوِيَتِ الْحَيَاةُ قَوِيَ شُعُورُهَا، وَشُعُورُ الْحَيَوَانِ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْعِلْمِ، كَمَا يَقُولُ النَّاسُ: عِلْمُ الْفَهْدِ وَالْبَازِي وَالْكَلْبِ، وَيُقَالُ: كَلْبٌ مُعَلَّمٌ وَغَيْرُ مُعَلَّمٍ وَبَازِي مُعَلَّمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>