للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ: دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ أَخْبَارٌ تَحْمِلُ التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ]

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ نَوْعَانِ:

نَوْعٌ يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِالْمَدْلُولِ عَلَيْهِ، وَنَوْعٌ يَحُضُّ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الرَّغْبَةِ فِيهِ أَوِ الرَّهْبَةِ مِنْهُ

فَالْأَوَّلُ: مِنْ جِنْسِ الْخَيْرِ الْمُجَرَّدِ

وَالثَّانِي: مِنْ جِنْسِ الْحَثِّ وَالطَّلَبِ وَالْإِرَادَةِ وَالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ، وَذَلِكَ كَمَنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ جَمَادَاتٍ أَوْ حَيَوَانَاتٍ أَوْ نَبَاتٍ لَيْسَ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ لَا حُبٌّ وَلَا بُغْضٌ، فَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ صَدِيقَهُ، وَوَلَدَهُ، وَمَحْبُوبَهُ، وَمَالَهُ، وَأَهْلَهُ، وَأَهْلَ دِينِهِ، وَفِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ عَدُوَّهُ، وَمُبْغِضَهُ، وَمَنْ يَقْطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ، وَيَقْتُلُهُ، وَيَأْخُذُ مَالَهُ، فَكَذَلِكَ دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ هِيَ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ، ثُمَّ يُعْلَمُ مَا يُخْبِرُ بِهِ النَّبِيُّ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ صَادِقٌ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ، فَهَذَا طَرِيقٌ صَحِيحٌ عَامٌّ.

وَأَمَّا إِثْبَاتُ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا فَعَلَهُ بِهِمْ، وَبِأَتْبَاعِهِمْ مِنَ النَّجَاةِ، وَالسَّعَادَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، وَمَا جَعَلَهُ لَهُمْ مِنْ لِسَانِ الصِّدْقِ، وَمَا فَعَلَهُ بِمُكَذِّبِيهِ وَمُخَالِفِيهِ مِنَ الْهَلَاكِ وَالْعَذَابِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَإِتْبَاعِهِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>