للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ: تَفْنِيدُ مُرَادِ النَّصَارَى بِظُهُورِ اللَّهِ فِي عِيسَى]

قَالُوا: وَلِذَلِكَ ظَهَرَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، إِذِ الْإِنْسَانُ أَجَلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ، وَلِهَذَا خَاطَبَ الْخَلْقَ، وَشَاهَدُوا مِنْهُ مَا شَاهَدُوا.

فَيُقَالُ: إِنِ ادَّعَيْتُمْ ظُهُورَهُ فِي عِيسَى كَمَا ظَهَرَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ، وَكَمَا يَظْهَرُ فِي بُيُوتِهِ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، وَذَلِكَ بِظُهُورِ نُورِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَذِكْرِ أَسْمَائِهِ وَعِبَادَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ حُلُولِ ذَاتِهِ فِي الْبَشَرِ وَلَا اتِّحَادِهِ بِهِ، فَهَذَا أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ فَلَا اخْتِصَاصَ لِلْمَسِيحِ بِهَذَا، وَهَذَا أَيْضًا قَدْ يُسَمَّى حُلُولًا، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِي الصَّالِحِينَ، وَهَذَا مَذْكُورٌ عِنْدَهُمْ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، كَمَا فِي كُتُبِهِمْ فِي الْمَزْمُورِ الرَّابِعِ مِنَ الزَّبُورِ، يَقُولُ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ: وَلِيَفْرَحَ الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَيْكَ إِلَى الْأَبَدِ، وَيَبْتَهِجُونَ، وَتَحُلُّ فِيهِمْ وَيَفْتَخِرُونَ. فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَحُلُّ فِي الصَّالِحِينَ الْمَذْكُورِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا لَا اخْتِصَاصَ لِلْمَسِيحِ بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا - بِاتِّفَاقِهِمْ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ - أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ نَفْسِهِ تَتَّحِدُ بِالْبَشَرِ، وَيَصِيرُ اللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ كَالنَّارِ وَالْحَدِيدِ، وَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>